في الحث على التضامن بين المسلمين

 

 في الحث على التضامن بين المسلمين

(أُلقيت في21-8-1421هـ، بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في الدوحة، ومؤتمر القمة العربي في القاهرة اللذين أقيما بعد بدء الانتفاضة الثانية).

 

الحمد لله الذي ألف بين قلوب المؤمنين، فجعلهم بنعمته إخواناً، أحمده سبحانه وأشكره على مزيد الآلاء والنعماء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، والخليل المجتبى، جمع الله تعالى به القلوب على التقوى، وأقام دعائم المودة والإخاء، صلى الله عليه وعلى آله الأتقياء، وأصحابه الأوفياء، ومن سار على هديهم واقتفى، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى وتحلوا بها ظاهراً وباطناً، فإنها سبيل العز والنجاح، ومصدر الخير والفلاح (واتقوا الله لعلكم تفلحون)[آل عمران:130].

عباد الله: إن من أعظم محاسن الدين، ما حث عليه ربنا جل وعلا في كتابه المبين، وعلى لسان سيد المرسلين من الأُلفة والاعتصام، والوحدة والوئام، واجتماع الكلمة والعمل على نبذ الخلاف والفرقة بين المسلمين، يقول عز وجل: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً )[آل عمران:103] ويقول e: ( وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله) رواه مسلم في صحيحه.

ذلكم أن وحدة الأمة وائتلافها فيما بينها أعظمُ عامل على رفع منار الإسلام، وإعلاء شأن المسلمين، وخيرُ معين على نهوضها، وعزِّ سلطانها وقوةِ شوكتها، وبلوغِها منتهى الغايات، وأقصى الآمال التي تحقق لها الرفعة والسيادة في الدنيا، والفوز والفلاح في الأخرى.

فمن أجل تحقيق هذه الغايات العظمى أمر الحق عز وجل عباده المؤمنين بالتعاون على البر، وإشاعة الخير، وتحقيق التقوى، ونشر الهدى بين أفراد الأمة ومجموعها، كما نهى الحق جل وعلا عن التعاون على الإثم والعدوان، لأنه سبب الضعة والهوان، يقول عز وجل: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)[المائدة:2]، فالتعاون على البر والتقوى أقوى عامل على جمع كلمة الأمة، ووحدة صفها، وهو الكفيل بإذن الله في حماية الأمة من الأخطار المحدقة بها، والأعداء المتربصين بها.

فالتقوى مخافة الله وخشيته في السر والعلن، والعملُ بطاعته ومرضاته، والانقيادُ الكامل لأوامر الشرع بالفعل والامتثال، وللنواهي بالكف والاجتناب.

وأما البر فإنه ثمرة من ثمار التقوى، وهو عنوان الفضائل الإنسانية، والمكارم الأخلاقية، والكمال النفسي، والسمو الروحي من إيمان كامل، ويقين صادق، وعمل صالح، وإحسان شامل، يبتغى بذلك كله وجه الله والدار الآخرة، يقول عز وجل في بيان معنى البر وشموله لتلك المعاني السامية: ( ليس البرَّ أن تولوا وجوهَكم قِبَل المشرق والمغرب ولكنَّ البرَّ من آمن بالله واليومِ الآخر والملائكةِ والكتابِ والنبيينَ وآتى المال على حبِّه ذوي القربى واليتامى والمساكينَ وابنَ السَّبيل والسَّائلينَ وفي الرِّقابِ وأقامَ الصَّلاةَ وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصَّابرين في البأسـاء والضـراء وحين البأس أولئك الذين صَـدَقوا وأولئك هم المتقون)[البقرة: 177].

فما أحوج أمة الإسلام اليوم إلى استلهام هذه المبادئ السامية، والتعاليم الربانية، التي تحقق لها الخير والسعادة، والرفعة والسيادة، ولا سيما وهي تعيش أوضاعاً مؤلمة، وأحوالاً مؤسفة، جراء ما تعانيه من تسلط الأعداء، واستضعافهم لأمة الإسلام، واستهانتهم بحقوق المسلمين ومشاعرهم، حتى غدا كثير من المسلمين يعانون من بلاء ومحن في أنحاء من المعمورة، ولا سيما إخواننا في الأرض المباركة أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين، وما يلاقون من عدوان أثيم من شرذمة باغية طاغية، لا همَّ لها إلا السعي في الأرض فساداً، والله لا يحب المفسدين.

وإن مما يحزُّ في نفوس أهل الإيمان، وأهلِ الغَيرة الصادقة على الإسلام، أن أمة الإسلام اليوم على الرغم من كثرة عددها، وما تملكه من مقومات الريادة والسيادة، وما حباها الله من خيرات عظمى، ومع هذا كله قد تحكم الأعداء في كثير من توجهاتها السياسية، ومقدراتها الاقتصادية، واستحوذوا على كثير من خيراتها، واحتلوا بعض بلادها، حتى صدق على واقع الأمة اليوم قول رسول الهدى e: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكَلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ ؟ قال: أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غُثاءً كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت). رواه الإمام أحمد وأبو داود.

لقد أصبح كثير من المسلمين اليوم في معزل عن حقيقة الدين، وأضحوا تابعين لا متبوعين، سائرين في ركاب الأعداء، ساعين في تقليدهم في كثير من أنماط حياتهم وتوجهاتهم وسلوكهم، غير عابئين بما يجر ذلك عليهم وعلى الأمة من أخطر العواقب، وأسوأ الآثار.

وإنه لا عاصم لأمة الإسلام يا عباد الله، ولا نجاة لها من هذه الأوضاع المؤلمة التي تمر بها الآن إلا بالعودة الصادقة إلى الدين الخالص، واستلهام عقائده الصحيحة، ومبادئه الحقَّة، والعمل بتشريعاته السامية على مستوى الفرد والجماعة، والحكومات والدول، والسعي الدؤوب بما وجه إليه الدين الحنيف من التعاون على البر والتقوى، والأخذ بأسباب الألفة والإخاء بين أبناء الأمة، والوقوف صفاً واحداً ضد قوى البغي والعدوان، فقد قال عليه الصلاة والسلام في بيان ما يجب أن تكون عليه حال الأمة: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تَدَاعى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحمَّى) أخرجاه في الصحيحين ولهما أيضاً: أنه e قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).

فليكن لنا يا عباد الله من هذه المواعظ مزدجر، ومن الحوادث التي تمر بنا معتبر، ومن الشدائد نُذُر، ومن مجد أسلافنا ما يقوي العزيمة، ويبعث فينا الأمل لاستعادة الحق المسلوب، والعز المنشود، ويحمل المخلصين من ذوي التأثير في الأمة على جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفوفهم، والتضامن فيما بينهم، كي يتحقق للأمة العز والتمكين، والنصر المبين الذي وعد الله به عباده المؤمنين بقوله: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)[الروم:47].

وإن من بشائر الخير، وبوادر الأمل ما يرى من مشاعر إسلامية جياشة، وتعاطف إسلامي كبير نحو إخواننا في الأرض المباركة، أثمر بحمد الله وفضله هذا التآلف والتآزر المشهود، وما نتج عنه من إعانات مادية متدفقة، ولا سيما من بلاد الحرمين المباركة، ومن لقاءات متتالية على أعلى المستويات، أملتها الظروف الراهنة، والأحداث المتداعية على الساحة، حقق الله تعالى بذلك آمال المسلمين، وبارك في جهود المخلصين، وسدد خطى المصلحين إنه تعالى سميع مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولَيُمَكِّنَنَّ لهم دينهُم الذي ارتضى لهم ولَيُبَدِّلَنَّهُم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)[النور: 55].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله ولي الصالحين، ومجزل العطاء للشاكرين، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد العابدين، وإمام المتقين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واستمسكوا بدينكم القويم، واتبعوا هدي نبيكم الكريم، واقتدوا بأسلافكم الصالحين الذين ضربوا أروع الأمثال، وأسمى الأفعال في تطبيق المبادئ الإسلامية الحقة، والعمل بها صدقاً وإخلاصاً، حتى كونوا دولة إسلامية عظمى، مرهوبة الجانب، موفورة الكرامة، قد أُشرب أبناؤها حبَّ الخير، والتعاون على الفضيلة والبر، ورعاية المصالح العامة، والإيثار والتضامن، والتناصر والتآزر، حتى كتب الله لهم العز والنصر على سائر الأمم، وأعلا دولتهم على سائر الدول، وصدق فيهم قول الله تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون )[المنافقون:8].

فلتسلكوا أيها المؤمنون نهج أسلافكم المخلصين في تحقيق التضامن والإخاء فيما بينكم، والعمل على مناصرة إخوانكم المضطهدين، وإعانة المستضعفين، ومواساة المنكوبين، والإحسان إلى الفقراء والمعوزين كي تخففوا بعض آلامهم المحزنة، ومآسيهم المؤلمة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يَسَّر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). رواه مسلم في صحيحه، والله عز وجل يقول: (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقونَ إلا ابتغاءَ وجه الله وما تنفقوا من خير يُوَفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون)[البقرة:272].

 

المرفقالحجم
ملف 7في الحث على التضامن بين المسلمين.docx33.17 كيلوبايت
 

 في الحث على التضامن بين المسلمين

(أُلقيت في21-8-1421هـ، بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في الدوحة، ومؤتمر القمة العربي في القاهرة اللذين أقيما بعد بدء الانتفاضة الثانية).

 

الحمد لله الذي ألف بين قلوب المؤمنين، فجعلهم بنعمته إخواناً، أحمده سبحانه وأشكره على مزيد الآلاء والنعماء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، والخليل المجتبى، جمع الله تعالى به القلوب على التقوى، وأقام دعائم المودة والإخاء، صلى الله عليه وعلى آله الأتقياء، وأصحابه الأوفياء، ومن سار على هديهم واقتفى، وسلم تسليماً كثيراً." data-share-imageurl="">