الحث على إصلاح القلوب

 

الحمد لله الذي أصلح بنعمته قلوب الصالحين، وأنار بفضله دروب السالكين، وخلع عليهم جلبات الإيمان واليقين، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الصادقُ الأمين، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه البررة المتقين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين .

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى ربكم حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، وتذكروا أيها المؤمنون: أن مدار التقوى على إصلاح القلوب، وتزكية النفوس، وتطهيرها بنور الإيمان الذي ينير القلوب، ويشرحُ الصدور، ويملؤها حباً لله وتعظيماً، ومهابةً وإجلالاً، فذلك سبيل السعادة والفلاح كما قال سبحانه : (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [الشمس:9-15]، وقال عزَّ وجلَّ: ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) [الأعلى:14-15 ].

عباد الله: إنَّ أحقَّ ما على المسلم، وأوجب ما على المؤمن، الاعتناءُ بإصلاح قلبه من شوائب التعلق بغير الله، والالتفات إلى أحد سواه، وتطهير نفسه من أوضار الذنوب والمعاصي، وأدران الفواحش والآثام، والأخذ بها إلى سبيل الفوز والنجاة . تحقيقٌ للإيمان بالله، وإخلاصٌ له في العبودية والطاعة، وانقيادُ لأوامره، واجتنابٌ لنواهيه، تخلقُ بأخلاقِ أهل الإيمان، واتصافٌ بصفات المتقين الأبرار، محافظةٌ على الفرائض والواجبات من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، وغيرها من سائر العبادات إيماناً بالله واحتسابا.

برٌ بالوالدين، وصلةٌ للأقارب والأرحام، وعطفٌ على الفقراء والمساكين والأيتام، صدقٌ في القول، وسلامةٌ في الصدر، وبعد عن الفحشاء والمنكرات، وفاءٌ بالعهود، والتزامٌ بالوعود، واتصافٌ بمكارم الأخلاق ابتغاء وجه الله وفضله.

فتلكم أيها المؤمنون أماراتُ صلاح القلوب، وعنوانُ زكاء النفوس .

ألا وإن من أعظم ما يعينُ على تحقيق ذلك استحضار جلال الله في القلوب، ومحبته في النفوس، والشعور بمهابته في الضمير في كل وقتٍ وحين، كما قال -عليه الصلاة والسلام- في بيان مقام الإحسان: « أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك » رواه البخاري ومسلم .

إنه استحضارٌ يحملُ صاحبه على الالتزام بمنهج الله الذي أمر عباده أن ينهجوهُ، وصراطه المستقيم الذي أمرهم أن يسلكوه. مسارعةٌ إلى طاعة الله ومرضاته، والتجاءٌ إليه على الدوام، ودعاؤه رغبةً ورهبةً، وتلك حالُ المتقين المخلصين: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) [الأنبياء:90].

وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمدُ وغيره عن أنس بن مالك t عن النبي r قولُه : « لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبُه »  أي: يستقيم على طاعة الله ومرضاته، استقامة تظهر على سلوكه وأعماله .

ولقد أدرك السلف الصالح هذا المعنى حق الإدراك، فطبقوه بأفعالهم، وحثُّوا الناس عليه بأقوالهم، فمن ذلك ما قاله الإمامُ الحسنُ البصريُ لرجل : « داو قلبك، فإنَّ حاجة الله إلى العبادِ صلاحُ قلوبهم » وقال العلامةُ ابنُ القيم : " خُلِقَ القلبُ لمحبة الله U وعبادته، فلا يسعدُ إلا بذلك، ولا يطمئنُ إلا به، وإذا أحبَّ غيرَ الله فإنه يكون أشقى من العين إذا فقدت نورها، ومن الأذن إذا فقدت سمعها، فلذلك يظلُ القلبُ في تقلبٍ وشقاء، وهمِّ وغم وحزن، حتى يعرف ربه U ، فإذا عرف ربه سعد به، واستغنى بحبه عن حب ما سواه، وبذكره عن ذكر ما سواه، وبخدمته عن خدمة ما سواه، فسعادةُ الدنيا والآخرة منوطةٌ بصلاح القلوب، وشقاءُ الدنيا والآخرة منوطةٌ بفسادها ".

عباد الله: إن صلاح الأعمال أو فسادها نابع من صلاح القلب أو فساده، فالقلبُ هو المالكُ للجوارح والمتصرفُ بها، وهي بأمره عامله، وبتوجيهه آخذه، فصلاح الأعمال عنوانٌ على صلاح القلب، كما أنَّ فسادها عنوانٌ على فساده، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير t أن رسول الله r قال: « ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه ألا وهي القلب » .

فأصلحوا أيها المؤمنون قلوبكم، وأخلصوا لله تعالى قصدكم، في كل ما تأتون وتذرون، وفي كل ما تقولون وتفعلون، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له لعلكم ترحمون.

وتذكروا أن اليسير من العمل مع الصدق والإخلاص لله فيه، والإتباع لشرعه، خيرٌ من كثير العمل إذا شابه شيءٌ من الرياء أو السمعة، أو كان فيه مخالفةٌ لشرع الله بابتداعٍ أو غلوٍ فيه، فإنَّ قبولَ العمل منوطٌ بالإخلاص لله فيه، مع حسنٍ المتابعة، وإلا كان من أسباب رده وعدم قبوله .

يقول سبحانه : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) [الشعراء:88-89]، أي سالمٍ من كل شائبةٍ تقدح في إخلاص القلب، وتجرده لربه، وصفائه من أمراض الشهوات والشبهات، وسلامته من الانحرافات، وخلوه من التعلقِ بغير خالقه ومولاه.

عباد الله: إن ثمرة الأعمال الصالحة، والفوز بالدرجات العالية، والنعيم المقيم في الآخرة، إنما يحصلُ لمن حقق النية الصادقة، واتقى الله تعالى في كل حالاته، ومن أصلح باطنه، أصلح الله له ظاهره وجميع أحواله، وسدده في أقواله وأعماله، وأسعده في الدنيا، وأكرمه بالفوز في الأخرى، كما قال U : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [النحل:97].

فطوبى لمن امتلأ قلبُه بمحبة الله وتعظيمه، وخشيته ومراقبته، وأخلص له في عباداته وطاعاته، وطهَّر نفسه من أمراض الشبهات والشهوات، والبغضاء والعداوات.

والويلُ لمن أعرض عن الله، وتعلق بأحدٍ سواه، وامتلأ قلبُه بغضاً وحسداً وغلاً على عباد الله .

اللهم مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا، واغفر لنا حوبنا وخطايانا .

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خيرُ من زكّاها، أنت وليها ومولاها يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين .

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أسعدَ بجواره من أطاعهُ واتقاه، وقضى بالذُّلِّ والهوانِ على من خالفَ أمره وعصاه، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ آلائه ونعماه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدهُ ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه السادة الأخيار، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد. 

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى ربكم حقَّ تقاته، واعملوا بطاعته ومرضاته، وعليكم بسلوك سبيل المتقين، والاتصاف بصفات المؤمنين الصادقين، الذي صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فالتزموا بشرع الله ودينه في عباداتهم لربهم، وفي معاملاتهم لعباد الله، فأخلصوا لله العبادة والطاعة، وأحسنوا مع عباد الله المعاملة، واتصفوا بالصدق والأمانة، وابتعدوا عن الكذب والخيانة، فطهَّروا بإخلاصهم قلوبهم، وزكَّوا بحسن معاملاتهم نفوسهم، فكانوا بذلك من المقربين عند ربهم.

فاتصفوا أيها المؤمنون بصفات المتقين، وانهجوا نهج أولئك المؤمنين الصادقين، كما أمركم بذلك المولى في محكم التنزيل : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)[التوبة:119].

 

المرفقالحجم
ملف 14الحث على إصلاح القلوب.docx32.64 كيلوبايت
 

الحمد لله الذي أصلح بنعمته قلوب الصالحين، وأنار بفضله دروب السالكين، وخلع عليهم جلبات الإيمان واليقين، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الصادقُ الأمين، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه البررة المتقين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين ." data-share-imageurl="">