أداء الزكاة

 

 

 

أما بعد:الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علماً، ووسع عباده رحمة وفضلاً، أحمده سبحانه وأشكره، أعطى فأغنى، وله الفضل في الآخرة والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، نبيه المصطفى، وحبيبه المجتبى، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء، والسادة الحنفاء، ومن سار على هديهم واقتفى.

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقاته، واشكروه على نعمه وآلائه، واغتنموا هذه الأيام المباركة، والمواسم المشرفة بما يقربكم إلى الله، ويبلغكم رضاه، فإن هذه الأيام من أعظم مواسم الخيرات الربانية، والنفحات الإلهية التي يفيض فيها المولى على عباده من واسع فضله وإحسانه، وسابغِ جوده وإنعامه، فتعرضوا لنفحات ربكم فيما بقي من أيام هذا الشهر المبارك ولا سيما أيام العشر الأخيرة منه، فإنها أفضل أيام الشهر الكريم، ولياليها أعظم ليالي العام فضلاً، وأرفعها قدراً، وقد كان رسول الهدى  e يجتهد في العبادة في رمضان ما لا يجتهد في غيره، ويجتهد في العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيرها، فكان إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأيقظ أهله، وأحيا ليله، ولازم معتكفه، فلتغتنموا أيها المؤمنون هذه المواسم المفضلة بما يقربكم إلى الله والدار الآخرة، لا سيما وأنتم في هذا البلد الحرام الذي فضله الله وشرفه، وجعل للعبادة فيه مزية وفضلاً، فقد اجتمع لكم هنا أيها المؤمنون شرف الزمان وفضيلة المكان، فلتشكروا الله على ذلك، ولتقبلوا على ربكم بالطاعة والإنابة، والاستزادة من الأعمال الصالحة من صلاة وطواف، وتلاوة للقرآن، وكثرة التوبة والاستغفار، والتذلل بين يدي  الله عز وجل، فإنه لحريٌّ بمن أقبل على ربه بنية صادقة، وقلب خاشع منيب، أن يحظى بالثواب العظيم من الرب الكريم، فإن فضله تعالى لواسع، وإن رحمته قريب من المحسنين.

عباد الله: لقد جاءت شريعة الإسلام المباركة بأفضل الشرائع، وأعظم الفرائض، التي تحقق للبشرية الخير والرخاء، وتكفل لهم السعادة والهناء، وتبعث فيهم روحَ المودة والإخاء.

وإن في طليعة تلك الفرائض قدراً، وأعمِّها نفعاً على الفرد والمجتمع فريضةَ الزكاة.

فقد فرضها الإسلام، وأولاها عناية عظمى، وأحلَّها مكانة كبرى، حيث جعلها الركن الثالث من أركان الدين، وقرنها بالصلاة التي هي عماد الدين، فالصلاة والزكاة ركنان عظيمان، ودعامتان متينتان، وقرينتان متلازمتان، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، كما قال سبحانه: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)[التوبة:11]، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (والله لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة).

 

وفي الزكاة يا عباد الله أعظم مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي بين المسلمين، لا نظير له في أي مجتمع بشري، فمن الزكاة تدفع المغارم، ويعان المسافرون والمنقطعون، وتسد حاجات الفقراء والمساكين، ويجهز الغزاة المجاهدون، ويُتألف بها القلوب، وهي من أقوى العوامل في تحقيق الوحدة بين المسلمين، وحصول الأُلفة والمودة بين المؤمنين، ولذا فحينما طُبِّقت هذه الفريضة على الوجه المشروع، مع غيرها من سائر أحكام الشرع المبين، في العصور الإسلامية الزاهية، ساد تلك العصور مشاعر المودة والإخاء، وعمَّ فيها الخير والرخاء، وشمل ربوع الدولة الإسلامية آنذاك تكافل اجتماعي، وعدالة إسلامية واضحة المعالم، حتى بلغ الحال في بعض تلك العصور المباركة أن أرباب الأموال لا يكادون يجدون مستحقاً للزكاة، لاستغناء الناس وكفايتهم، وكان من أكبر أسباب ذلك إخراج الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية ،كما فرضها الشارع سبحانه.لقد فرض الإسلام الزكاة على الموسرين من المسلمين، لمصالح كثيرة، ومنافع عظيمة، فهي سبب لزكاء النفوس، وطهارة القلوب، وصلاح الأعمال، كما قال عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)[التوبة:103]، إنها سبب لحصول البركة والنماء في الأموال، وحفظها على أصحابها من التلف والآفات، فقد روي في الحديث: (ما تلف مال في بَرٍّ ولا بحر إلا بحبس الزكاة).

 

ألا فلتتقوا الله عباد الله، وليؤد أربابُ الأموال ما أوجب الله تعالى في أموالهم من زكاة عن طيب نفس، ودون منِّ ولا أذى، ومن غير استكبار ولا استعلاء، ولا سمعة ولا رياء، بل تؤدى بنية خالصة طاعة لله وابتغاء فضله ورحمته،  فهو سبحانه المنعم المتفضل، أعطى الكثير، وفرض إخراج اليسير، ووعد على إنفاقه المضاعفة في الدنيا، والأجر الوافر في الأخرى يقول عز شأنه: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم، الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[البقرة:261-262].أترون يا عباد الله لو أن كل من وجبت عليه الزكاة أدَّاها لمستحقيها، ووضعها في مواضعها الشرعية، كاملةً غير منقوصة، أيبقى في المجتمع الإسلامي مظاهر فقر ومسكنة؟!، مع ما يُرى من ثروات طائلة في بلاد الإسلام، وفي أيدي الأثرياء من المسلمين.

أيها المسلمون: كيف يمنع هذا الحق في الأموال، ويهمل هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، من آتاه الله سعة في الرزق، ووفرة في النعيم!، يعيش فيه لنفسه وحده، دون أن يشعر بحال إخوان له في الإسلام، لهم في ماله حق مشروع، ونصيب مفروض، قد أضناهم الفقر، ومستهم الحاجة من أرامل ويتامى، وفقراء ومعوزين، وبؤساء ومنكوبين، أين شكر الله على فضله وإنعامه!، وأين الشعور بالأخوة الإسلامية التي عقدها الإسلام بين أبنائه!، ألا يخشى المانعون للزكاة، والمقصرون في إخراجها من سخط الرب جل جلاله!، وحلول عقابه العاجل، وزوال نعمه الحاضرة، ومنع خيراته الوافدة، وما في الآخرة من العذاب لهو أشد وأبقى، كمـا قال جل وعلا: (والذين يكنـزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، ي صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع - أي ثعباناً عظيماً- له زبيبتان يطوقه ثم يأخذ بلِهْزِمَتيه – يعني شدقيه – ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا رسول الله e قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير)[آل عمران:180].

فاتقوا الله عباد الله، وأدوا زكاة أموالكم كاملة غير منقوصة، بصدور منشرحة، ونفوس بالخير مغتبطة، فما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.

 

ألا فلتلتفتوا أيها المؤمنون إلى إخوانكم المسلمين في كل مكان، ولتعملوا على مناصرتهم، ودعمهم مادياً ومعنوياً، فإن ذلك مما تفرضه الأخوة الإيمانية.عباد الله: إن مما يلفت إليه أنظار المؤمنين في هذا الشهر الكريم، شهرِ الرحمة والمواساة، التذكر لحال إخوان لنا في العقيدة والدين في أنحاء من المعمورة، قد أصيبوا بمصائب عظمى، وتوالت عليهم فجائع كبرى، تتكرر على مرور الأيام، في أوطان استبد بها الطغيان، واستباحها الظالمون المعتدون، شعوب شردت عن أوطانها، واستبيحت حرماتها ومزقت كل ممزق، وأذيقت ألواناً من الظلم وأنواعاً من الاضطهاد، إخوان لنا يعيشون أياماً قاسية، ويذوقون مرارات متنوعة في الأرض المباركة فلسطين، وفي الشيشان والأفغان وكشمير، وغيرها من الأوطان، فقد غلت النكبات أيديهم، وثَقُلت عليهم أعباء الحياة، وتوالت عليهم نوائب الدهر، واشتد عليهم شظف العيش، وانتشر فيهم الجوع، وفتكت بهم الأمراض، في أوضاع مؤلمة، ومآس محزنة، تذوب منها القلوب المؤمنة كمداً وحزناً.

فأعينوا محتاجهم، وواسوا مكلومهم، وأغيثوا ملهوفهم، واعملوا على نصرتهم، ورفع الظلم والعدوان عنهم.

ولقد هيأ الله في هده البلاد المباركة وغيرها من بلاد الإسلام منظمات وهيئات للبر والإحسان ، تعنى بأحوال المسلمين ، ومساندة المستضعفين منهم والمضطهدين ، وإغاثة الملهوفين والمنكوبين ، فيسرت لكم سبل التعرف على أحوالهم ، وسهلت لكم إيصال المعونات لهم ، فيحسن دعم تلك الهيئات والمنظمات المشهود لها بالصدق والأمانة، وإعانتها على رسالتها الخيرة وجهودها المباركة .

فسارعوا أيها المؤمنون إلى البذل والإحسان والمساندة لإخوانكم المسلمين في سائر الأوطان، وساهموا في أوجه الخير، وأعمال البر في أبوابها الواسعة واتجاهاتها المتنوعة، في كل ما يعود بالنفع والخير للإسلام والمسلمين، لا سيما في هذا الشهر الكريم، فقد كان نبيكم الكريم صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:  (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضُها السمواتُ والأرضُ أعدت للمتقين ، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)[آل عمران:133-134].

المرفقالحجم
ملف 49أداء الزكاة.docx43.38 كيلوبايت
 

 

 


أما بعد:الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علماً، ووسع عباده رحمة وفضلاً، أحمده سبحانه وأشكره، أعطى فأغنى، وله الفضل في الآخرة والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، نبيه المصطفى، وحبيبه المجتبى، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء، والسادة الحنفاء، ومن سار على هديهم واقتفى." data-share-imageurl="">