ذكرى غزوة بدر

الخطبة الثانية

 

أول الخطبة الثانية

ذكرى غزوة بدر

الحمد لله رب العالمين، له العزة ولرسوله وللمؤمنين، أحمده سبحانه وأشكره، أيدَّ بنصره عباده المؤمنين، وأعلا بهم منار الحق والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الصابرين، وإمام المجاهدين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه البررة الصادقين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد : فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى لعلكم تفلحون، وتذكروا وأنتم تتفيئون ظلال هذا الشهر الفضيل ما منَّ الله عز وجل فيه على أمة الإسلام عبر تاريخها المجيد من انتصارات عظمى، وفتوحات كبرى، أيد الله تعالى بها الدين، وأعلا شأن المسلمين، في مواقع جهادية كثيرة، غيَّرت مجرى التاريخ، ولفتت أنظار العالم إلى دين الإسلام.

وإن من أعظم تلك الانتصارات التي وقعت في هذا الشهر الفضيل، وأعلاها شأنًا، وأبلغِها أثرًا في تاريخ الإسلام: ما حققه الله تعالى لنبيه الكريم وصحابته الصادقين، من النصر المبين في غزوة بدر الكبرى، يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، أعظم معارك الإسلام الفاصلة، فرق الله تعالى بها بين الكفر والإيمان، والضلالة والهدى، وسجلت تلك المعركة العظمى للأجيال وللتاريخ أنه لا أثر لأي قوة مادية، مهما بلغت من حسن التخطيط، وقوة الاستعداد، أمام قوة الإيمان، وصحة العقيدة، وصدق الجهاد في سبيل الله، فلقد خرج رسول الله e بمن معه من المؤمنين، في قلة من العدد، ونقص في العتاد، أملاً في الاستيلاء على عير لقريش، قادمةٍ من الشام، تحمل أنواعًا من الأموال، وأعلم رسول الهدى e صحابته أن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين: العير، أو النصر، غير أن الله تعالى لحكمة يشاؤها، لم يكتب لهم الظفر بالعير، حيث استطاع قائدها النجاة بها، وكانت قريش قد خرجت في جمع كثير لنجدة العير، بطرًا ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله، فعندئذ شاور رسول الله e ذوي الرأي والمشورة من المهاجرين والأنصار، في قتال المشركين، فسمع رسول الله e منهم من التأييد له على القتال، ومجاهدة الأعداء ما قرَّت به عينه، واطمأن به قلبه، حتى قال: (سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم) فالتقى الجمعان في اليوم السابع عشر من رمضان، واستنزل المسلمون عندئذ نصر الله، واستغاثوا به تعالى، واشتد رسول الله e في الابتهال والتضرع إلى ربه، وهو يقول: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا ) ثم خرج e من العريش وهو يقرأ قوله تعالى : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) [القمر:45] وأخذ e ملء كفه من الحصباء، فرمى بها وجوه العدو، وقال: (شاهت الوجوه)، فما من رجل إلا وأصابه شيء منها، ونزل في ذلك قوله سبحانه : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)  [الأنفال:17] وأنزل الله تعالى المدد من السماء أفواجًا من الملائكة تلو أفواج، استجابة لنداء نبيه والمؤمنين، وتثبيتًا لهم، وبشارة لهم بالنصر، وتطمينًا لقلوبهم ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله ) [الأنفال: 9-10] .

فما هي إلا ساعات حتى هزم الله جموع المشركين، وسقطوا في أرض المعركة بين قتيل وأسير، وولى بقيتهم مدبرين، وأعز الله تعالى رسوله والمؤمنين، وأيدهم بنصره المبين، وامتن عليهم بذلك بقوله ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ، إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ، بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ، وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) [آل عمران 123- 126].

إن في هذه المعركة الفاصلة لدروسًا لا تنتهي، وعبرًا لا تنقضي، فما أحوج أمة الإسلام اليوم وهي تواجه مؤامرات ماكرة، وتحديات سافرة، من أمم الكفر والضلالة إلى استلهام تلك الدروس والعبر من هذه الغزوة العظمى، استلهامًا يحمل على نصرة هذا الدين، وإعلاء شأن المسلمين، والثقة بوعد الله لعباده المؤمنين ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) [الحج:40].

 

المرفقالحجم
ملف 50أول الخطبة الثانية ذكرى غزوة بدر.docx26.89 كيلوبايت
الخطبة الثانية

 

أول الخطبة الثانية

ذكرى غزوة بدر

الحمد لله رب العالمين، له العزة ولرسوله وللمؤمنين، أحمده سبحانه وأشكره، أيدَّ بنصره عباده المؤمنين، وأعلا بهم منار الحق والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الصابرين، وإمام المجاهدين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه البررة الصادقين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين." data-share-imageurl="">