مرثية د. ناصر الزهراني
مرثية الدكتور ناصر الزهراني إمام وخطيب مسجد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - بمكة:
قصيدة رثاء في صاحب الفضيلة الأخ الكريم والفقيد الغالي الشيخ الدكتور
عمر بن محمد السبيل - رحمه الله - وألهم والديه وأهله وذويه الصبر والسلوان .. انه سميع مجيب
رحيل في ربيع العمر
نكأت جرح الأسى الفتاك يا عمرُ |
والهم نيرانه في القلب تستعر |
فقدانكم يا إمام البيت فاجعة |
وغلغل الحزن في أرواحنا الخبر |
يبكي مصلاك في البيت الحرام على |
ما فاته والصفا والحِجْر والحَجَرُ |
وخيم الحزن في أنحاء جامعة |
بمثلكم يا ربيب العلم تفتخر |
فضل وبذل ورفق كالشذا عبقًا |
والعلم نهرٌ زلال ما به كدر |
وما رأيناك إلا كالضحى ألقًا |
كالشمس نورًا كوجه البدر يزدهر |
سمحًا قريبًا حبيبًا هينًا دمثًا |
موطئًا هذبته الآي والسور |
ألفاظه كعبير الزهر مفعمة |
باللطف كالجدول الرقراق تنحدر |
أنيسك الوحي والعلم الزلال به |
تسلو وما طاش منك الفِكْرُ والفِكَرُ |
قلب إذا بات فالأنعام نغمته |
والنور والطور والأحزاب والزمر |
وتكتسي من أفانين الرضى حللا |
ويبعث الشوق صفوًا وجهك النضر |
في مشرق العمر والإقدام باسمة |
أيامه والعطاء الجم ينتظر |
أودى بك الموت فانهارت مشاعرنا |
أسى فقد غاب من ليل المنى القمر |
هذا هو الوالد المكلوم لاهبة |
أحشاؤه باللظى والدمع ينهمر |
يبيت يأبى عليه النوم مضجعه |
كأنما غرست في جسمه الإبر |
كم عاش يسكب فيك الطهر في دأب |
ويبتني فيك آمالاً ويدخر |
يرى بك المجد في أثواب عزته |
من أجل عينيك يحلو الهم والسهر |
أيامه فيك آمال مغردة |
وفي هزيع الليالي يعذب السمر |
كنت الرفيق الذي يسلو برفقته |
بر حنون خفيض الصوت مرتمر |
حتى إذا ما استوى غرس الرضى وعلى |
أغصانه طابت الأزهار والثمر |
يجتثه الموت رغمًا عن أحبته |
وهكذا تفجع الأيام والغير |
أدهى مصاب على وجدان والده |
والمرء بالخير والبأساء يختبر |
يا رب أفرغ عليه الصبر وابن له |
قصرًا من الحمد في فردوس من صبروا |
واربط على مهجة الأم الرؤوم فما |
أقسى زمانًا عليها ما به (عمر) |
هو الأبر الذي في ظل رحمته |
ما مر في جوها غيم ولا قتر |
وزوجة باتت الأيام تسعدها |
باللطف والعطف لا هم ولا ضجر |
خل وفي حباها عطر مهجته |
فهو الهوى والمنى والسمع والبصر |
عدت بها حادثات الدهر فانتهبت |
حليلها واستبد الهم والكدر |
يا رب رحماك بالقلب الجريح وبالـ |
ـروح التي لحنان منك تفتقر |
وا حسرتا لصغار غاب مؤنسهم |
لهم تكاد قلوب الناس تنفطر |
جاءته (نورة) لم يظفر برؤيتها |
إذ كان في غرفة الإنعاش يحتضر |
امنن عليهم إلهي بالعزاء وكن |
أنيسهم فبك المكسور ينجبر |
آل السبيل والألفاظ واجمة |
والشعر عن وصف ما في القلب يعتذر |
في دوحة الصبر والإيمان تسلية |
عن الرزايا وأرباح ومتجر |
هذا الحبيب الذي تبكون غيبته |
يكاد يبكي عليه الزهر والشجر |
أتيت أروي مواساتي بقافية |
تكاد من حرقة الأحزان تنصهر |
يا شيخنا أحسن الباري عزاءكم |
وفي الرضى بقضاء الخالق الظفر |
قد احتسبت إمامًا يافعًا طربت |
له جنان الرضى واشتاقت السرر |
أنت الذي بعبير العلم ترشدنا |
كم كنت تسدي لنا الذكرى فندكر |
صبرًا على ما أمض الروح من كمد |
يا شيخنا فهو أمر الله والقدر |
أنت العليم بما لله من عدة |
للصابرين وما أهدى لنا الأثر |
هذا مصاب لأهل الدين قاطبة |
فإن غيبة أرباب النهى خطر |
مضى لجيرة أعلام جهابذة |
في تربة (العدل) قد ضمتهم الحفر |
هذي وفود الرضى جاءتك باكية |
وهؤلاء ملايين الورى حضروا |
بشائر بختام طيب حسن |
وشاهد من شهود الفوز معتبر |
لا تغبط اليوم إنسانًا بعيشته |
فإنما الغبطة المثلى لمن غبروا |
عزاؤنا فيه ما أبقاه من عبق |
لسيرة يتمنى مثلها البشر |
حل التواضع في أعماق مهجته |
وفر منها الهوى والكبر والبطر |
ماذا تقول حروف الشعر عن علم |
أخلاقه كنسيم بثه السحر |
عليه من ربه الرضوان ما انعقدت |
غمامة أو همى في أرضنا المطر |
وما ترنم بالقرآن قارئه |
وما مشى في رحاب البيت معتمر |