الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومكانته في الإسلام

 

     

الحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد، يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لا معقب لحكمه، وهو الحكيم العليم، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ فضله، وترادف آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، دعا إلى الصراط المستقيم، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الأكرمين، ومن سار على هديهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنها وصيته تعالى لعباده الأولين والآخرين، وهي السبيل إلى الفلاح والنجاة يوم الدين، فحققوا التقوى، واستقيموا على طاعة الرب جل وعلا.

واعلموا عباد الله أن سعادة المجتمع، وصلاح أمة الإسلام، منوطان باستقامة كل مسلم على دين الله، وتمسكه بشرع الله، والتزامه بالمنهج السديد الذي بُعث به رسول رب العالمين، ونزل به الوحي المبين، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

ألا وإن أكبر عامل على سلوك الأمة سبيل الحق، وانتهاجِ طريق الهدى: القيامُ بما شرع الله عز وجل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعلاء شأنه في الأمة، فإنه حصن الإسلام عن الفتن، والدرع الواقي عن المحن، وهو السياج الحامي عن المنكرات والمعاصي.

إنه الحامي لأهل الإسلام عن نزوات الشياطين، ودعوات المضللين، والوثاقُ الذي تتماسك به عرى الملة والدين، وتُحفظ به حرمات المسلمين.

وإنه لن تظهر أعلام الشرع المبين، وتعلو أحكام الإسلام إلا حين ترتفع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ به يعلو الحق والإيمان، ويعز أهله، ويقوى أنصاره وحماته، وبه يندحر الباطل، ويذل أهل الفسوق والأهواء.

ومتى عمَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة اتضح الهدى من الضلال، وتميزت السنة من البدعة، وعُرف الحلال من الحرام، ونشأت الناشئة من بني الإسلام على المعروف وألفته، وجانبت المنكر وكرهته.

ولقد أدى ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثير من بلاد الإسلام في أعقاب الزمن إلى جهل بعض أهل الإسلام بأصول الملة وقواعد الدين، مما نتج عنه إهمال لشعائر الإسلام، وعدم الحكم بما أنزل الله في كثير من بلاد الإسلام، وكثرة البدع والمحدثات المنافية لعقيدة التوحيد الخالصة، وفشو المنكرات، والمجاهرة بالفسوق والمعاصي، والإغراء بالفتنة عبر وسائل متنوعة، يأتي في طليعتها وسائل الإعلام المرئية، حتى نشأت أجيال مسلمة لا تعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا من الدين إلا رسمه، ألِفَت المنكرات، واستهانت بها، فلم تبال باقترافها، أو تعبأ بارتكابها، لكثرة ورودها على القلوب، وطرقها للأسماع، وتكرار رؤيتها في العيون، وأدى ذلك أيضاً إلى تنكر فئة من بني الإسلام للدين، وتمردهم على شريعة الله عزَّ وجل، حتى جاهروا بدعوات مضللة، وأفكار منحرفة، تأثراً بمناهج كفرية، وأفكار إلحادية، وإنه لامخلِّص لأمة الإسلام من هذه المنكرات يا عباد الله، ولا عزَّ لها ولا نصر، ولا تمكين لها في الأرض إلا بالعودة إلى الدين الصحيح، واستلهام مبادئه الحقة، ورفع شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد الإسلام، وبين أهل الإسلام.

فائتمروا أيها المؤمنون بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، ولتقوموا به حق القيام، طاعة لله وإخلاصاً، وليكن ذلك مبنياً على قاعدة الشرع العظمى في جلب المصالح ودرءِ المفاسد، فليُؤمر بالمعروف، وليُنهَ عن المنكر حينما لا يترتب على ذلك تفويت مصلحة أكبر، أو حصول ضرر أعظم، فإن من أخَلَّ بتطبيق هذه القاعدة في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، كان فساده أكبر من صلاحه، وضرره أكثر من نفعه، ولذا قال بعض العلماء: "ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر".

وليراعِ في إنكار المنكر مراتب الإنكار التي أوضحها رسول الله e  لأمته بقوله: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم في صحيحه.

فالإنكار باليد لا يكون إلا لمن له ولاية كالأب في بيته، وولي الأمر في ولايته وسلطانه، ولنوابه في البلاد وعلى الأعمال.

أما الإنكار باللسان فواجب على كل من تحقق المنكر وأيقنه عن علم وبصيرة، ويتأكد ذلك في حق العلماء البصيرين والدعاة المخلصين.

أما الإنكار بالقلب فلا يعذر فيه أحد من الخلق، إذ ليس ثمة أحد يحول بين المرء وقلبه، وليس وراءه مثقال ذرة من إيمان.

وإنه لابد لمن قام بهذا الأمر الجليل يا عباد الله من التحلي بالرفق واللين في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، دون أن يحصل منه تجريح للمأمور، أو تشنيع عليه، بل على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون ذا رحابة في الصدر، وحرص على هداية الخلق، وأن ينظر للواقعين في المعاصي بعين الرأفة والشفقة، وأن لا ينظر إليهم نظر ازدراء واحتقار، وليتذكر نعمة الله عليه، إذ حماه مما وقعوا فيه، وليتحلَّ بالصبر على ما يلاقي في هذا السبيل من الأذى، كما قال عز وجل حكاية عن لقمان في وصيته لابنه: (وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)[لقمان:17].

وليُعلم يا عباد الله أن الأصل في دين الإسلام هو الستر على من وقع في معصية، لعموم قوله e: (ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة). رواه مسلم وغيره. ولما روى أبو داود والنسائي أن رجلاً جاء إلى النبي e بصاحب معصية، فقال له عليه الصلاة والسلام: (لو سترته بثوبك كان خيراً لك) وهذا إنما يكون في حق غير المجاهر بالمعصية.

أما المعلن بالفسق، والمجاهر بالمنكر، فلا حق له في ذلك، فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم:(كل أمتي معافى إلا المجاهرين)، لذا قال الإمام أحمد رحمه الله: "الرجل المعلن بالفسق لا حرمة له".

وما ذاك إلا لأن السكوت عن المجاهر، والتغاضي عنه، يحمله على المزيد من ارتكاب المنكرات، وانتهاك الحرمات، وإشاعة الفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد.

وإن على المأمور يا عباد الله أن يُذعن للحق، ويقبله ممن جاء به كائناً من كان، وليحذر الإعراض عن ذلك، فقد قال عز شأنه: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)[النور:63].

فاتقوا الله أمة الإسلام، واتقو الله أيها القادة والعلماء بالعمل على رفع منار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعلاء شأنه، استجابة لأمر الله تعالى، وحذراً من عقابه، ونصحاً للعباد، وحمايةً للبلاد (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)[الحج:40]

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)[آل عمران: 104].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه سبحانه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى أمة الإسلام، وتذكروا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الدين التي شرعها الله عز وجل لمصالح الخلق، فلو تعطلت هذه الشعيرة لتعطل أكبر عامل للإصلاح، وأعظم أداة للتهذيب والتقويم، بل ولتعطلت الشريعة، واضمحلت الديانة، وعمت الغفلة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وحينئذ يغار المولى سبحانه على حرماته، ويحل سخطُه محلَّ رضاه، وعذابُه محل رحمته، وتزول النعم، وتحل النقم، وتتوالى المصائب على العباد والبلاد (وكذلك أخْذُ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآيةً لمن خاف عذابَ الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود)[هود:102-103].

وروى أبو داود والترمذي وحسنه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)[المائدة:78-79]، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (كلا والله لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهوُنَّ عن المنكر، ولتأخذُنَّ على يد الظالم، ولتأطُرُنَّه على الحق أطراً، ولتَقصُرُنَّه على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم).

فاتقوا الله عباد الله، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، كل على قدر الطاقة منه والاستطاعة، وفي دائرة اختصاصه ومسؤوليته، يكتب الله تعالى لكم الخير والتوفيق في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

 

     

الحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد، يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لا معقب لحكمه، وهو الحكيم العليم، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ فضله، وترادف آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، دعا إلى الصراط المستقيم، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الأكرمين، ومن سار على هديهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين." data-share-imageurl="">