مكانة الصلاة في الإسلام  

                                   

                                  

 

الحمد لله الذي شرع لعباده أفضل شرائع الدين، وجعل الصلاة كتاباً موقوتاً على المؤمنين، أحمده سبحانه وأشكره، أنار بالعبادة قلوب العارفين، وشرح بها صدور المخلصين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله إمامُ المتقين، وخيرُ العابدين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد : فيا أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى ربكم وأطيعوه، واستقيموا على دينه ولا تعصوه، وحافظوا على فرائض الدين وشرائع الإسلام، فإن الله تعالى قد شرع لكم من الشرائع والأحكام ما يكون سبباً في صلاحكم في الحال، وسعادتكم في المآل.

وإن من أجلِّ ما شرع الله عز وجل من الفرائض والعبادات، فريضةَ الصلاة، فلقد فرضها الله تعالى على العباد، وأحلَّها من الإسلام المحل الأسنى، والمقام الأعلى، فهي عمادُ الدين، وركنُه المتين، وعصامُ المتقين، وقرةُ عيون المؤمنين، وهي الصلة بين العبد وربه، وأولُ ما فرض الله تعالى من الفرائض على عباده، فرضها سبحانه في أشرف مقام، وأرفع مكان، وخاطب بفرضيتها نبيه عليه الصلاة والسلام مباشرة من غير واسطة، وهي آخر ما أوصى به e أمته قبيل وفاته، فقال وهو في مرض موته: (الصلاةَ الصلاةَ وما ملكت أيمانكم) من حافظ عليها فهو لما سواها من شرائع الدين أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

الصلاة أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، فإن قُبلت منه نُظر في بقيه عمله وعباداته، وإلا لم يقبل منه طاعة ولا عبادة، ففي الحديث عنه e أنه قال: (إن أولَ ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً قال الله عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع، فيُكمَل منها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر أعماله على هذا) رواه أبو داود والترمذي وحسنه.

وإن الكمَّل من أهل الإيمان وأرباب التقوى ليجدون في الصلاة قرة عيونهم، ونعيم أرواحهم، وراحة نفوسهم، وطمأنينة قلوبهم، كما قال سبحانه: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)[الرعد:28]، وكان رسول الهدى e يقول : (جُعلت قرة عيني في الصلاة)،  ويقول: (يا بلال أرحنا بالصلاة) وكان e إذا حزبه أمر، أو اشتد عليه خَطْبٌ، فزع إلى الصلاة، فانكشف عنه ما يجد من شدة وكرب، وارتاحت نفسه، واطمأن قلبه.

ففي الصلاة الملجأُ لأهل الإيمان عند الكربات، والمفزعُ عند الضائقات، كما قال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة )[البقرة:153].

والصلاة يا عباد الله أعظمُ عامل على تهذيب النفوس، وإصلاح القلوب، وتقويم الأخلاق، والبعد عن مسالك الضلالة والردى، وسبل الغواية والفحشاء، ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)[النحل:45].

فمِن صدق اليقين، ورسوخ الإيمان، أن يحافظ العبد على الصلاة حق المحافظة، رعايةً لأوقاتها، واستكمالاً لشروطها، وإتماماً لأركانها وواجباتها، وعنايةً بسننها، مع أدائها بحضور قلب وخضوع، وتألُّه وخشوع، فإن الخشوعَ هو روحُ الصلاة ولبُّها، وإن أعظم ما يعين على ذلك أن يستحضر المصلي معاني الذل والعبودية لله تعالى، في كل أذكار الصلاة وهيئاتها، ولا سيما في حالة السجود، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، كما صح الحديث بذلك عن رسول الله e، وقد قال الله تعالى: (واسجد واقترب) [العلق:19].

ولقد أثنى الحق عز وجل على عباده الذين يحافظون على الصلاة، وتخشعُ قلوبهم، وتستكينُ جوارحهم فيها لله تعالى، ويظهر أثرها في سلوكهم وأخلاقهم، فقال عز شأنه:  (قد أفلح المؤمنون(1)الذين هم في صلاتهم خاشعون(2)والذين هم عن اللغو معرضون(3)والذين هم للزكاة فاعلون(4)والذين هم لفروجهم حافظون(5)إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين(6)فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون(7)والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون(8)والذين هم على صلواتهم يحافظون(9)أولئك هم الوارثون(10)الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون(11))[المؤمنون:1-11]، وقال عز شأنه في وصف أهل اليقين الصادق، والإيمان الكامل: (الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقونأولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم)[الأنفال:3-4].

كما أبان رسول الهدى e لأمته ما في المحافظة على الصلاة من عظيم الفضل، وجزيل الثواب، فقال عليه الصلاة والسلام: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة). رواه الإمام أحمد وغيره.

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله e يقول: ( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا). وروى مسلم في صحيحه عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله e يقول: (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب ما لم تُؤت كبيرة وذلك الدهر كله).

فهذه يا عباد الله بعض فضائل الصلاة، وشيء من منافعها وآثارها على المسلم في حياته وبعد مماته، وتلك منـزلتها في الإسلام، ومكانتها في الدين، لم يرخص الله بتركها لأحد من المكلفين ما دام عقله حاضراً، وفكره ثابتاً، إلا الحائض والنفساء، فلم يُرَخِّص الله بتركها حتى للمريض والخائف، وحتى في أحرج الظروف وأشد المواقف، كحال القتال والمنازلة، بل أوجب إقامتها والمحافظة عليها على قدر الطاقة والاستطاعة، يقول عز شأنه: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، فإن خفتم فرجالا أو ركباناً فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون)[البقرة:238-239].

ومع هذا الاعتناء الشديد، والتأكيد البليغ من الشارع الحكيم بشأن الصلاة، فإن مما يؤسى له عظيم الأسى ما يشاهد من ضعف العناية بالصلاة، وعدم المحافظة عليها عند كثير من بني الإسلام، حتى بلغ الحال بالبعض إلى تركها بالكلية -عياذاً بالله- دون مبالاة، ومن غير اكتراث، حتى صدق على أولئك قول الله عز وجل: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً)[مريم:59]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن أوقاتها، وقال سبحانه في وعيد الغافلين عن الصلاة: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)[الماعون:4-5]، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في معنى الآية: "هو تأخيرها عن وقتها"، فإذا كان هذا الوعيد الشديد في حق من يؤخر الصلاة عن وقتها، فكيف الحال يا عباد الله بمن لا يصلي إلا بعض الأوقات، أو لا يصلي إلا الجمعة فقط، أو بمن يتركها على الإطلاق، وكل ذلك ذنب عظيم وجرم كبير، قد يُخرج صاحبه من الملة والدين، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (ليس بين الرجل والكفر والشرك إلا ترك الصلاة) رواه مسلم في صحيحه، وروى الإمام أحمد والبيهقي بإسناد صحيح أن رسول الله e قال: (من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله عز وجل)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) وكان أصحاب رسول الله e لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر سوى الصلاة. فأين التارك للصلاة عن هذا الوعيد والتهديد!، وأين هو عن زواجر القرآن وقوارعه!، فقد قال الله تعالى حكاية عن حال أصحاب الجحيم:( ما سلككم في سقر،قالوا لم نك من المصلين)[المدثر:42-43] وقال عز شأنه: ( فلا صَدَّق ولا صلى،ولكن كذب وتولى،ثم ذهب إلى أهله يتمطى،أولى لك فأولى،ثم أولى لك فأولى،أيحسب الإنسان أن يترك سدى)[القيامة:31-36].

فاتقوا الله عباد الله، ولتحافظوا على صلواتكم، ولتأدوها كما أوجبها الشارع على وجه الكمال والتمام، فلقد أمر رسول الله e بأدائها بطمأنينة وسكينة، وإكمال ركوعها وسجودها، وحَذَّر عن الإخلال والتقصير فيها، وعن كل ما يتنافى مع ما يجب لها من الخشوع والإنابة، وأخبر e أن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قيل: كيف يسرق من صلاته يا رسول الله؟ قال: لا يُتمُّ ركوعها ولا سجودها). رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه، وروى البخاري في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يصلي ولا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها، فقال له حذيفة : "ما صليت، ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة مت على غير فطرة محمد e".

فلتكونوا أيها المؤمنون ممن يعبدون الله حق عبادته، ويحافظون على صلواتهم في أوقاتها وهيئاتها، ولتقبلوا عليها بقلوب ملؤها الخشية لله والإنابة إليه، فقد قال الله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين،الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون)[البقرة:45-46].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

                   
 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى ربكم لعلكم تفلحون، ولتحافظوا على صلواتكم، فإنها ركن الملة والدين، ولتأمروا بها من تَلُونَ من الأهل والأولاد، فقد قال الله تعالى: ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى )[طه:132].

ولتعلموا عباد الله أن من المحافظة على الصلاة في حق الرجال القادرين، أن تؤدى مع جماعة المسلمين حيث ينادى لها (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال،رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)[النور:36-37]، فإن للصلاة مع الجماعة من عظيم الفضائل، وجليل المنافع ما لا يتأتى لمن يصليها منفرداً، مما يحمل ذوي الإيمان والتقى على العناية بصلاة الجماعة والحرص عليها، فقد قال عليه الصلاة والسلام في التأكيد على صلاة الجماعة وبيان وجوبها: ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر). رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( أتى النبيَّ e رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله e أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال: نعم، قال: فأجب) وفي رواية لأبي داود: (أجب، لا أجد لك رخصة)، وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم e سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر، فيحسن الطُّهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).

فاتقوا الله رحمكم الله، ولتحافظوا على صلواتكم، ولتأدوها مع جماعة المسلمين حيث ينادى لها، فإن ذلك أزكى لأنفسكم، وأعظمُ لأجوركم، وأرفعُ في درجاتكم، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

المرفقالحجم
ملف 9مكانة الصلاة في الإسلام.docx35.26 كيلوبايت
                                   

                                  

 

الحمد لله الذي شرع لعباده أفضل شرائع الدين، وجعل الصلاة كتاباً موقوتاً على المؤمنين، أحمده سبحانه وأشكره، أنار بالعبادة قلوب العارفين، وشرح بها صدور المخلصين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله إمامُ المتقين، وخيرُ العابدين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين." data-share-imageurl="">