في الحث على صلة الرحم

 

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله ، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد :

فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله U، فإن في تقواه العصمة من الضلالة، والسلامة من الغواية، وهي السبيل إلى السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة،  فاتقوا الله في أقوالكم وأعمالكم، واتقوه في أنفسكم وأهليكم، (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)[النساء:1].

عباد الله: إن من جلائل الأعمال، وعظيم الخلال، التي جاء بها الإسلام، ما حثَّ عليه من العناية بالأقارب والأرحام، والإحسان إليهم، والقيام بحقوقهم التي شرعها لهم، فلقد شرع لهم الإسلام حقوقاً، وأوجب لهم واجبات، أكد على رعايتها والقيام بها، وجعلها في الطليعة بين المأمورات، فقال الحق سبحانه: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين) [النساء : 36]، وقال U : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى )[النحل:90] ، وقال جلَّ وعلا: ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل)[الإسراء:26].

وجاء على لسان رسول الله r التأكيد على العناية بهذه الحقوق، والأمر برعايتها، فقال عليه الصلاة والسلام ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ) رواه البخاري ومسلم، ولهما أيضاً عن أبي أيوب الأنصاري t أن رجلاً قال : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، فقال النبي r: ( تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم ).

فما هذه الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة يا عباد الله، وغيرها كثير، إلا دليل اهتمام، وبالغ اعتناء من الشارع، بحقوق الأقارب والأرحام، وعظيم شأنها في الإسلام ، مما يحمل المسلم على العناية بها حق العناية، والحرص على أدائها، والقيام بها،كما أمر الشارع، طاعة لله وإخلاصاً، وأملاً في الفوز بما رتب على ذلك من فضائل عظمى، من بسط في الأرزاق، وتأخير في الآجال، ودفع للبلاء، وتوفيق في الحياة الدنيا، وثواب جزيل من المنعم المتفضل في الأخرى، كما ورد ذلك في الحديث المتفق عليه عن أنس بن مالك t أن رسول الله r قال: ( من أحبَّ أن يبسط له في رزقه، وينْسأ له في أثره فليصل رحمه ) وروى الحاكم والبزار بإسناد جيد عن النبي r أنه قال ( من سرَّه أن يُمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويُدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله وليصل رحمه ) وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي r أنه قال ( صلة الرحم، وحسن الجوار، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار ).

عباد الله : إن صلة الرحم توثق عرى القرابة، وتزيد في المحبة، وتقوي الإخاء والمودة، وهي حق لكل من يمت للمرء بصلة قرابة أو نسب، تختلف باختلاف قربهم منه، فكل ما كان أقرب كان حقه ألزم وأوجب، فأعظم الأقارب حقاً، وأولاهم عناية وبراً: الوالدان، ثم الأدنى فالأدنى من الأقارب والأرحام، كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة t أن رجلاً قال: يا رسول الله من أحقَّ بحسن الصحبة، قال: (أمُّك، ثم أمُّك، ثم أمُّك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك ).

وإن صلة الرحم تحصل بالزيارة للأقارب والأرحام بين الحين والآخر، والاهتمام بشؤونهم، والتفقد لأحوالهم، وإعانة المحتاج، وزيارة المريض، ومواساة المنكوب، وإظهار النصح والمودة لهم، والحرص على دوام الألفة معهم، والبشاشة والتلطف عند اللقاء، وطيب الكلام، ولين الجانب، وخفض الجناح، وسلامة الصدر نحوهم، وحسن الظن بهم، مع غض الطرف عن الهفوات، والصفح عن الزلات، وإقالة العثرات، وأجلُّ من ذلك وأعظم أن تقابل الإساءة منهم بالإحسان، والمقاطعة بالصلة والغفران، فليس الواصل للأقارب من يصلهم إذا وصلوه، ويقطعهم إذا قطعوه فتلك مكافأة ومجازاة، بل الواصل حقيقة من يصلهم وإن قطعوه، ويحسن إليهم وإن أساؤوا إليه :( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) [فصلت : 35 ].

جاء في الحديث عند البخاري وغيره عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله r قال : ( ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها ) وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة t أن رجلاً قال : يا رسول الله : إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم، ويجهلون علي، فقال: (لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسِفُّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) قال الإمام النووي ًرحمه الله تعليقاً على قوله r ( فكأنما تسفهم المل)، أي : كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم، لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه، وإدخالهم الأذى عليه .

عباد الله : إن المتأمل في واقع أمة الإسلام اليوم ليشعر بعظيم الأسى، جراء ما آلت إليه حال الكثيرين منهم في علاقاتهم بذوي القربى والرحم، وعدم الاكتراث بحقوقهم التي شرعها الإسلام، والتقصير في القيام بها، بل وربما تجاوز البعض ذلك إلى الإساءة إلى الأقارب، وإظهار العداء والبغضاء لهم عند أدنى سبب، ككلمة عابرة، أو تقصير في أمر يسير، بل وقد لا يكون شيء من ذلك وإنما هو لشيء في النفس من حسد وبغي، أو احتقار وازدراء، فيناصبهم العداء، ويظهر لهم البغضاء، غير عابئ بجريرة فعله، وعظيم إثمه .

أفلا يتذكر أولئك ما تُوعد به قاطع الرحم من عقاب ونكال في الدنيا والآخرة، أشار إليها الشارع في معرض التحذير من اقتراف هذا الذنب العظيم، فروى أبو داود والترمذي وصححه عن أبي بكرة t عن النبي r قال : ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ).

وفي الحديث المتفق عليه عن جبير بن مطعم t أنه سمع النبي r يقول : ( لا يدخل الجنة قاطع ) قال سفيان: يعني قاطع رحم .

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : ( إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرع منهم قامت الرحم، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال : نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت : بلى، قال : فذاك لك، ثم قال رسول الله r : اقرؤا إن شئتم : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23) ) [محمد : 22 -23].

فاتقوا الله عباد الله، وصلوا الأقارب والأرحام، واحذروا القطيعة والعقوق، ليديم الله عليكم نعمه، ويبارك الله لكم  في الأعمار والأرزاق، وما عند الله خير وأبقى .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) [الرعد : 25] .

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة نبيه r. وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

 

 

أول الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وهدى للناس أجمعين، r وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :

 فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى ربكم لعلكم تفلحون «واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون». [البقرة:281].

عباد الله : لئن كانت صلة الرحم تعني الإحسان والبر بذوي القربى والرحم، ورفع الظلم عن المظلوم منهم، والمساعدة على وصول الحق إليه، فإنه ليس من صلة الرحم أن يناصروا على الباطل، وأن يعاونوا على الظلم والعدوان، فما هذا إلا حميةٌ جاهلية مقتها الإسلام، وحذَّر منها، فلن يكون البغي والعدوان طريقاً إلى الحق، أو سبيلاً إلى العدل والخير، فتبينوا الحق، وميزوه عن الباطل، ولا تأخذكم العزة بالإثم، «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب» [المائدة:2].

المرفقالحجم
ملف 11في الحث على صلة الرحم.docx28.86 كيلوبايت
 

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله ، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين." data-share-imageurl="">