الحقوق الزوجية

الحمد لله الكريم المنان، دائم الفضل والإحسان، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الغزار، وجوده المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد.

أما بعد: فيا أيها المسلمون أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنها الذخر الذي يبقى، والزاد الذي لا يفنى، فاتقوا الله تعالى في أنفسكم وأهليكم (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ إن الله كان عليكم رقيباً)[النساء:1].

عباد الله: الأسرة أساس المجتمع وقاعدته، ومنها تتكون الأمة، وعليها تقيم عمادها، وتوطد أركانها، فبصلاح الأسرة واستقامة أفرادها، واستقرار أحوالها يسعد المجتمع، وتصلح الأمة، وتنال ما ترجوه من غايات كريمة، وآمال منشودة.

وقوام الأسرة رجل وامرأة، جعل الإسلامُ العلاقةَ بينهما من أكرم الوشائج الإنسانية، وأسمى الصلاتِ البشرية، رعاها الشرع الحنيف حق الرعاية، وأحاطها بتوجيهات سديدة، وإرشادات كريمة لابد للزوجين من تحقيقها، والعمل على وفقها.

ويأتي في طليعة تلك التوجيهات تقوى الله عز وجل ومراقبته، والاستقامة على طاعته، ومعرفة كل واحد من الزوجين ما له من حقوق وما عليه من واجبات أرشد إليها الشرع المبين، وأكَّد على العمل بها، حفاظاً على هذه العلاقة الكريمة، وضماناً لدوامها واستقرار أحوالها، وإن من آكد ذلك المعاشرةَ بين الزوجين بالمعروف، فقد قال عز وجل: (وعاشروهن بالمعروف)[النساء:19]، وقال جل شأنه: (ولهُنَّ مثل الذي عليهِنَّ بالمعروف وللرجال عليهنَّ درجة)[النساء:228].

وإن من المعاشرة بالمعروف في حق الزوج أن يكون حسنَ الأخلاق مع أهله، محمودَ السيرة، طيبَ السريرة، لينَ الجانب، سهلاً رفيقاً، لا يرهق عسراً، ولا يكلف شططاً، حازماً في أمره، قائماً بمسؤوليته تُجاه أهله وبيته، آخذاً في اعتباره أن طلب الكمال في المرأة أمرٌ متعذرٌ، والأملَ في استكمال جميع صفات الكمال بعيدُ المنال في الطبع البشري، فمن رجاحة العقل أن يوَطِّن المرء نفسه على التغاضي عن الهفوات، والصبرِ على بعض المنغصات، لما في المرأة من نقص وضعف، فإنها ضعيفة في خَلْقها وطبعها، والمبالغةُ في تقويمها يقود إلى كسرها، وكسرُها طلاقُها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهبْتَ تقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً). رواه البخاري ومسلم.

فالاعوجاج في المرأة من أصل الخلقة، فلابد من مسايرته والصبر عليه، ولا بد من صرف النظر عن بعض جوانب النقص في الأهل، والنظر إلى ما فيهن من جوانب الخير، كما أرشد إلى ذلك رسول الهدى e بقوله: (لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً -­أي لا يبغض- إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر). رواه مسلم في صحيحه.

وليعتبر العاقل بنفسه، فهل بلغ الكمال في الأخلاق، وسلم من النقائص والعيوب، فإن ذلك قد يدعوه للصبر على ما يرى في أهله مما لا يرتضيه من التصرفات والأخلاق، فإن الصبر في هذا من أكبر أسباب السعادة، وموارد الخير، كما قال عز وجل في محكم التنـزيل: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)[النساء:19].

ولكن هل تكون الراحة بين الزوجين يا عباد الله ويحصل السكنُ والمودة بينهما حينما يكون رب البيت فظاً غليظاً!! لا يرى لأهله عليه حقاً، ولا ينيلهم عطفاً وبراً، بل هو ثقيلُ الطبع، سيءُ العشرة، ضيق الأفق، يغلبه حمقُه، ويعميه تعجله، سريع الغضب، بطيء الرضا، إذا دخل فكثير المن، وإذا خرج فسيء الظن.

وإن الغيرة المحمومة لتذهب ببعض الأزواج إلى المبالغة في سوء الظن بأهله، فيتأول كل كلام يسمعه، ويشك في أي تصرف يراه من غير مستند صحيح، مما ينغص الحياة، ويقلق البال، ويورث العداء والبغضاء، ثم قد يفضي إلى الفراق، وتشتتِ الأسرة، وضياعِ الأولاد، وما ذاك إلا بسبب حمقِ الزوج وطيشِه، وسوءِ عشرته، وعدمِ أخذه بتعاليم الإسلام الرشيدة التي تحث على إحسان العشرة مع الأهل والرفقِ بهم، ولينِ الجانب لهم، كما هو هديه عليه الصلاة والسلام في معاشرته لأزواجه، وفي تعاملِه مع أهله، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحث على العمل بهذا المنهج السديد: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه.

وأما المرأة المسلمة فلتعلم أن من أسباب سعادتها البيتية، واستقرار حياتها الزوجية، أن تكون ذات عفة ودين، وصلاح وتقى، تعرف ما لها فلا تتعداه، وما يجب عليها فلا تقصر فيه، تستجيب لزوجها وتطيعه بالمعروف لما له من حق القوامة عليها، وتحفظه في نفسها وماله، وتهتم بشؤون بيتها وتحسن تدبيره، وترعى أولادها، وتُنشِّؤهم على تعاليم الإسلام وآدابه.

تحرص أن لا يسمع زوجها منها إلا حسناً، ولا يَشُمَّنَّ إلا طيباً، ولا يرى إلا جميلاً، لا تطلب ما يرهقه ويثقله، ولا تتنكر لجميله، ولا تجحد فضله وإحسانه، فقد قال عليه الصلاة والسلام في التحذير من ذلك: (رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا:لم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن، قيل: بكفرهن بالله؟ قال:لا، يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط). رواه البخاري في صحيحه.

وإن من إحسان المرأة لزوجها أن تغفر له الزلات، وتتغاضى عن الهفوات، وأن تتحلى بالصبر على ما قد يحصل من الزوج من قسوة أو جفاء، وأن لا تسيء إليه إذا حضر، ولا تخونه إذا غاب، بل تكون حريصةً في كل الأحوال على كسب مودته ورضاه، لعظم حقه عليها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). رواه الترمذي وحسنه.

وروى أيضاً وحسنه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله e: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة).

فاتقوا الله عباد الله، وعليكم بالعمل بهذه التوجيهات الإسلامية، والتعاليم الشرعية، لتنعموا باستقرار الحياة الزوجية، وتصلحَ أحوالكم الأسرية، ويكونَ من ثمارها ذريةٌ طيبة، ونشءٌ صالح، يبرُ الوالدين، وينفعُ المجتمع ويفيدُ الأمة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)[الروم:21].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، سيد الورى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى أمة الإسلام، واعلموا أن أساس العلاقة الزوجية الذي يقوم عليه صرحُها، ويدوم به بنيانها، إنما هو دين متين، وخلق كريم، ومعاملة حسنة، وثقة متبادلة، فإن هذا هو الذي يحفظ ما بين الزوجين من وشائج وصلات، ويحافظ عليهما عند الخلاف والنـزاع، ويدرأ عنهما أعاصير التصدع والتشتت، ورياح الانفصام والتفكك، وبه يتم الوئام، وتتوفر السعادة، ويحصل السكن والطمأنينة، وبذلك تطيب الحياة، وتسعد الأسرة، ويتهيأ الجو الصالح للتربية، وتنشأ الناشئةُ في بيت كريم، مليء بالمودة، عامرٍ بالتفاهم، بين عطف الأبوة، وحنان الأمومة.

فاتقوا الله عباد الله واتصفوا بمكارم الأخلاق فيما بينكم، وتحلوا بحسن المعاملة مع أهلكم وذويكم، يكتب الله تعالى لكم الخير والتوفيق، ويهيء لكم من أمركم رشداً.

 

المرفقالحجم
ملف 21الحقوق الزوجية.docx33.87 كيلوبايت
الحمد لله الكريم المنان، دائم الفضل والإحسان، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الغزار، وجوده المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد." data-share-imageurl="">