خطر السحرة والمشعوذين

 

الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لا معقب لحكمه، وهو الحكيم العليم، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ فضله، وترادف آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، وكل شيء عنده بمقدار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، خير من توكل على ربه وأناب، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقاته، وأخلصوا له العبادة والطاعة، وأنيبوا إلى ربكم إنابة خالصة، يظهر أثرها في الأعمال والأقوال، فإن من دلائل تحقيق التقوى، وأمارة إخلاص الدين لله جل وعلا، أن تتعلق القلوب به وحده، وأن تُفوِّض جميع الأمور إليه، وتتوكل عليه دون سواه (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)[المائدة:23].

وإن من ضعف اليقين، وقلة البصيرة في الدين، أن تلتفت القلوب إلى غير ربها وخالقها، وتتعلقَ النفوسُ بسوى بارئها وفاطرها، رغبة أو رهبة، خوفاً أو رجاء، تعلقاً تظهر آثاره في السلوك والتصرفات.

وإن من ضروب ذلك وأنواعه في واقع بعض الناس إتيانَ السحرة والمشعوذين، وقصدَ الكهنة والعرافين، أملاً في رفع ضر نزل، أو دفع خطر متوقع، أو استخبار عن أمور مغيَّبة، وكشف أحوال مستقبَلة، لا يعلمها إلا الحق سبحانه، وأسوأ من ذلك أن بعضاً من الناس لا يقدم على عمل ذي شأن، كسفر أو نكاح أو عقود تجارية إلا بعد أن يسأل عرافاً أو كاهناً أو منجماً، فما وجهه إليه عمل به وانقاد إليه.

وصنف آخر من الناس يقصد أولئك للاستشفاء والتداوي لمرض حسي أو نفسي، ويعرض حاله على بعض أولئك الكهنة والعرافين ممن يمتهن الطب الشعبي، وهو كاذب محتال، فيزعم أن بالمريض مساً من الجن، أو أن به شيئاً من السحر، وقد يصف له شيئاً من الأدوية، أو يعلق عليه حروزاً وتمائم، أو يكتب له شيئاً من الطلاسم، ويأمره بالعودة إليه مرات يعقبها كرات، حتى يحصل منه على أموال طائلة، ثم يؤوب ذلك المريض بالخيبة والخسران، لم يشف من مرض، ولم يسلم له مال.

وكل ذلك يا عباد الله من تزيين الشياطين وإغوائهم لبني آدم، واستدراجهم لهم، ليصدوهم عن الحق المبين، والهدي القويم، وليحتالوا على الاستيلاء على أموال الناس بالباطل بما يدَّعون ويزعمون من معرفة الغيب، والتنبؤ عما يكون في المستقبل، والكشف عن المستور والمخبأ، ويُلبِّسون على بعض العامة من السذج والرعاع من ضعاف العقول والإيمان، بما قد يتظاهرون به من صلاح واستقامة، وما يبدون من خوارق للعادة، بسبب أعمال سحرية، وحيل شيطانية، يستعينون فيها بأوليائهم من الجن (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون)[الأنعام:121].

إنه ليس بمستغرب أن يدِّعي السحرة والمنجمون ونحوهم من الكهنة والعرافين شيئاً من علم الغيب، أو المعرفة بالطب، لتحصيل غرض دنيوي من جاه أو مال، لكن العجب أن يغتر بأولئك المبطلين من أكرمهم الله بالقرآن، وهداهم إلى الإسلام.

كيف لهؤلاء أن يصدقوا الظنون والشكوك، ويتأثروا بسراب خادع من ساحر كذاب، أو كاهن محتال، أفلا ينتفع أولئك الغافلون بآيات تتلى، ومواعظ تلقى: ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)[محمد:24].

إن أولئك الأشرار من السحرة والمشعوذين، والكهنة والعرافين ونحوهم، أغوتهم الشياطين عن الهدى والرشاد، وأضلتهم عن سواء السبيل، وباعوا الآخرة بالدنيا، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فهل يرجى ممن هذه حاله حصول نفع!، أو يتحقق بسببه دفع ضر!، إنه لن يكون من وراءه إلا الخيبة و الخسران، فقد قال الحق عز وجل: (ولا يفلح الساحر حيث أتى)[طه:69]. فكيف يليق بعاقل أن يقصدهم! أو بمؤمن أن يصدقهم!، أليسوا بشراً يأتيهم القدر فلا يستطيعون له دفعا!، وتنـزل بهم المصائب فلا يطيقون لها رداً!، ولو كانوا يعلمون الغيب، ويقدرون على جلب النفع، لاختاروا لأنفسهم كل سعادة وهناء، ولما جلسوا يصطادون الضعفاء والبسطاء من الرجال والنساء، ويحتالون على أخذ شيء من أموالهم ليسدوا حاجتهم، ولو كانوا يستطيعون أن يدفعوا الضر لدفعوه عن أنفسهم، ونجوا من كل شر وشقاء.

إن ما يزعمه أولئك المضللون من الاطلاع على شيء من أمور الغيب، أو الكشف عن المخبأ، والتنبؤ عما يكون في المستقبل، وغير ذلك من دعاوى الكذب والباطل، من أعمال الجاهلية المنكرة، وعقائدها الفاسدة، جاء الشرع بإبطالها والتحذير منها، فهل يعلم الغيب إلا الله، أو يقدر على جلب النفع، أو دفع الضر سواه، وهو القائل سبحانه في محكم التنـزيل: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون)[النمل:65]، وقال عز شأنه مخاطباً صفوة الخلق e: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون)[الأعراف:188]. وقال عز وجل: (إن الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير)[لقمان:34]. وقال تعالى: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله)[يونس:107].

وجاء على لسان رسول الهدى e التهديدُ البليغ والوعيد الشديد لمن يأتي السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين ونحوهم من المبطلين، ويصدقهم بما يقولون، لمنافاة ذلك كمال توحيد الله عز وجل، وإفراده بالقدرة والإرادة، ولما فيه من إعانة على نشر الباطل، وإشاعة الضلالة والغواية بين الناس.

روى الطبراني والبزار بإسناد جيد عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: (ليس منا من تَطير أو تُطُير له، أو تَكهن أو تُكُهن له، أو سَحر أو سُحِر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد e)، وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي e أنه قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً).

إن في هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لأبلغ زاجر وأعظم رادع عن تصديق أولئك المبطلين من السحرة والمشعوذين، وإخوانهم من الكهنة والعرافين.

فاتقوا الله عباد الله، والتزموا الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، واعتصموا بكتاب ربكم، وتمسكوا بهدي نبيكم، ففيهما العصمة من الضلالة، والسلامة من الغواية، والسعادة في الدنيا والآخرة، وتوكلوا على ربكم في جميع أحوالكم، فهو سبحانه القادر على كل شيء، وبيده النفع والضر، وغيره لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون)[هود:123].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، وهدى للناس أجمعين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه البررة المتقين والسادة الأكرمين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقاته، وتعاونوا فيما بينكم على محاربة الباطل وأهله، حماية للدين، وحفاظاً على عقائد المسلمين، وحرصاً على سلامة المجتمع وصلاح الأفراد من أخطار أهل الشر والعدوان، فلقد كثر المفسدون في الأرض من السحرة والمشعوذين ونحوهم من الكهنة والعرافين في بلاد الإسلام، وعظم البلاء بهم، واستشرى خطرهم في كثير من المجتمعات المسلمة، فكم كانوا سبباً في تقويض أسرٍ هانئة، وخراب بيوتات عامرة، وكم أثاروا من عداوات وبغضاء، وإحن وشحناء بين أقارب وأرحام وجيران، وكم كانوا سبباً في الفرقة بين زوجين متآلفين، وصديقين متآخيين، وكم من أموال طائلة استولوا عليها بالباطل والاحتيال، كل ذلك بسبب أعمالهم السحرية، وخُدَعهم الشيطانية، فلتحذروا عباد الله من أولئك المفسدين الأشرار، ولا تغتروا بما يدَّعون ويزعمون من التُّرَّهات والأباطيل وإن تظاهر بعضهم بمظهر أهل الصلاح، فإنهم يَلْبسون لكل زمان ما يناسبه، ولكل مجتمع ما يوافقه، تمويهاً وتدليساً، وإن في ممتهني الطب الشعبي من هؤلاء لكثير، لا كثرهم الله.

إن على أمة الإسلام لا سيما من له الأمر والنهي في بلاد المسلمين أن يقفوا لأولئك المفسدين بالمرصاد، وينـزلوا بهم العقوبات الرادعة، ويقيموا عليهم الحدود المشروعة، حماية للعقائد السليمة، والفطر السوية، ودرءاً للأمة عن شرور أولئك المضللين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

 وإن من الواجب على كل مسلم أن يتعاون مع ولاة الأمور في الكشف عن حال أولئك الأشرار، وبيان زيفهم وباطلهم، وهتك أستارهم، وإبلاغ الجهات المسؤولة عنهم، فإن ذلك من التعاون على البر والتقوى، وتحقيق ما فيه صلاح للعباد وللبلاد، وقطع لدابر الفساد، فقد قال الحق سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)[المائدة:2]. 

المرفقالحجم
ملف 35خطر السحرة والمشعوذين.docx35.58 كيلوبايت
 

الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لا معقب لحكمه، وهو الحكيم العليم، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ فضله، وترادف آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، وكل شيء عنده بمقدار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، خير من توكل على ربه وأناب، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين." data-share-imageurl="">