التبرج والسفور وخطره على الأمة

الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، يهدي من يشاء بفضله إلى صراط مستقيم، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه ونعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومن سار على هديهم وسلك سبيلهم إلى يوم المعاد.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى ربكم حق تقاته، واعملوا بطاعته ومرضاته، والتزموا دينه القويم، وشرعه المبين، فلقد جاءت شريعة الإسلام المباركة بكل ما يحقق الخير للبشرية، والسعادة للإنسانية، عدالةٌ في الأحكام، وهدايةٌ إلى أرقى الأخلاق، ونشرٌ لألوية الفضيلة والآداب، كي يكون المجتمع الإسلامي طاهراً نقياً. العفة والحياء شعاره، والحشمة والوقار دثاره، مجتمع لا تُثار فيه عوامل الفتنة، ولا تُهاج فيه الشهوات، بل تُضَيَّق فيه فُرَصُ الغواية، وسبل الشر والضلالة، صيانة للمجتمعات المسلمة، وحفاظاً على سلامة الأمة من الانحلال والفساد المفضي بها إلى الهلاك والردى.

لذا أكَّد الإسلام على التأدب بآداب الدين الحنيف، ودعا إلى التحلي بالفضائل ومجانبة الرذائل، وكان من آكد ما أمر به الإسلام من الآداب، وما وجه إليه من الفضائل والأخلاق، ما حثَّ عليه النساء من الاتصاف بالحشمة والحياء، والتحلي بالستر والصيانة، والالتزام بالحجاب، والقرار في البيوت، وعدم الخروج منها إلا لحاجة، فإنَّ مهمة المرأة في بيتها جليلة، ومسئوليتها فيه أعظم مسئولية، وأجلُّ ما فيها رعاية الأجيال الناشئة، والعناية بتربيتهم على الخير والفضيلة، حتى ينشأوا على الصلاح والاستقامة، فيحققوا الخير والنفع لأنفسهم ومجتمعهم، فالأم هي الدعامة الأولى لبناء المجتمع الصالح، فالعناية بصلاحها واستقامتها ينعكس أثره على الأمة في مجموعها.

فحق على المسلمة الواعية لمسئوليتها أن تلتزم بتعاليم الدين القويم، وتتأدب بآداب الشرع المبين، تؤدي فرائض ربها، وتُعنى بوظائف بيتها، وترعى شؤون زوجها وأولادها حق الرعاية، ولا تخرج من بيتها من غير حاجة، وإن خرجت ففي غاية الستر والصيانة، بعيدة عن التبرج والسفور، غير مظهرة لشيء من الزينة في البدن أو اللباس، تمشي في أدب واستحياء، لا تخالط الرجال ولا تزاحمهم في مجتمعاتهم في المساجد والأسواق والطرقات، ولا تلين في الحديث مع الأجانب، مراقِبةً لربها سبحانه في كل حركاتها وسكناتها، فهذا شأن المسلمة المؤمنة بربها، الواعية لمسئوليتها، الراعية لأمانتها، تتأدب بهذه الآداب التي أدَّب بها الحق سبحانه أمهات المؤمنين، وزوجات سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، وهو توجيه وتأديب لجميع نساء الأمة، يقول عز شأنه: (يا نساء النبيِّ لستن كأحد من النِّساءِ إن اتقيتُنَّ فلا تخضعْنَ بالقول فيطمعَ الذي في قلبه مرضٌ وقُلنَ قولاً معروفاً،وقَرْنَ في بُيوتِكُنَّ ولا تبرجْنَ تبرج الجاهليةِ الأولى وأقمن الصلاةَ وآتينَ الزكاةَ وأطعنَ الله ورسوله إنما يريد الله لِيُذهبَ عنكمُ الرَّجْسَ أهلَ البيت ويطهِّركم تطهيرا)[الأحزاب:32-33].

عباد الله: إنه على الرغم من هذه التوجيهات الإلهية من الحكيم الخبير فيما يجب أن يكون عليه حال النساء المؤمنات من التحلي بالحشمة والحياء، والتدثر بدثار العفة الصلاح، إلا أنَّ من عظيم الأسى إعراضَ كثير منهن في غالب المجتمعات المسلمة عن هذه التعاليم الإلهية الرشيدة التي تُحقق لهنَّ الخير والسعادة، وبعدهن عن أحكام الإسلام وآدابه المثلى، وانسياقهن وراء التقليد للمجتمعات الكافرة التي لم تُقِمْ للفضيلة وزناً، وأغراهن الإقدام على ذلك دعاةُ الباطل ممن أشربوا حب الفتنة، من الذين في قلوبهم مرض الشهوات، وقلَّ فيهم وازعُ الديانة، فحسَّنوا لهنَّ التبرج والسفور، وخلعَ جلباب الحشمة والحياء، بأساليبَ مختلفة، وعبر وسائل متنوعة، حتى اغترَّ كثير من نساء المسلمين ممن ضعفت ديانتهنَّ بتلك الدعايات المضللة، فتنكَّبن سبيل الخير والفضيلة، تخرج إحداهُنَّ سافرةً متبرجةً، متعطرةً متزينةً، في زيِّ فاضح، ولباس فاتن، فهي كاسية عارية، تخالط الرجال الأجانب في المجالس، وتشاركهم الأحاديث، غير عابئة بعظم الذنب، وشناعة الجرم، فلا خوف من الله  يمنعها، ولا حياء من عباد الله يزعها، في مظاهر مألوفة في كثير من بلاد الإسلام، مما يغري بالفاحشة، ويفتح أبواب الرذيلة، ويشعل نار الفتنة في قلوب الرجال، وأي فتنة يا عباد الله أعظم من فتنة النساء، وهن حبائل الشيطان، يصطاد بهن القلوب المريضة، حتى يرتكس كثيرٌ من الرجال والنساء في حمأة الفاحشة، وما كثرت الفاحشة في أمةٍ إلا كان نذيرَ بلاء عظيم، وشرٍ مستطير، أشار إليه المصطفى e بقوله: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا). رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي، وجاء في الحديث الآخر التحذيرُ من فتنة النساء، وبيانُ خطرها في الأمة، فروى الشيخان عن أسامة ابن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله e قال: (ما تركت بعدي فتنة هي أضرُّ على الرجال من النساء).

ألا فاتقوا الله أيها المسلمون: اتقوا يا أولي الأمور، ويا أرباب العقول والنهى، وذوي الإيمان والتقوى، بالأخذ على أيدي من تحتكم من النساء عن المخالفة لآداب الإسلام وتعاليمه، ولتحملوهنَّ على الفضيلة والطهر والعفاف، وفق تعاليم الدين الحنيف، فتلكم مسئولية عظمى ألزمكم الحق بها، واسترعاكم عليها، وكل راع مسئول عن رعيته.

ولتتقين الله أيتها المسلمات حق التقوى، ولتراقبن ربكم جل وعلا في أنفسكُن وأهليكُن ومجتمَعِكُن، ولتَحذرن من سخط الجبار جل وعلا فإن أخذه لشديد، وإن عذابه لأليم، لمن تنكب الصراط المستقيم، وأعرض عن الحق المبين: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرٍ محضراً، وما عملتْ من سُوء تود لو أنَّ بينها وبينه أمداً بعيداً، ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد)[آل عمران:30].

ولقد أخبر رسول الهدى e عما تفعله بعض النساء من بعده، من مظاهر التبرج والسفور، مما يكون سبباً في طردهن من رحمة الله، وحرمانهن من دخول الجنة، بسبب خروجهن عن أمر الله وهتكهن الحجاب الذي شرعه الله، وأي حرمان أعظم من هذا الحرمان؟ وهل بعد هذا الوعيد من وعيد؟ ألا وهو دخول النار وبئس المصير، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله e: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسهنَّ كأسنمة البُخْت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).

فاتقوا الله أيها المؤمنون المؤمنات، ولتتحلوا بآداب الدين القويم التي أدب بها الله عباده المتقين، واتصفوا بكل مكرمة وفضيلة، وجانبوا وسائل الشر والرذيلة، ففي ذلك الخير والسعادة لكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وقل للمؤمنات يغضُضْنَ من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلا ما ظهر منها ولْيَضربنَ بِخُمُرهنَّ على جيوبهن ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ أو آبائهنَّ أو آباء بعولتهنَّ أو أبنائهنَّ أو أبناء بعولتهنَّ أو إخوانهنَّ أو بني إخوانهنَّ أو بني أخواتهنَّ أو نسائهنَّ أو ما ملكت أيمانهنَّ أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عوراتِ النِّساء ولا يضربن بأرجلهنَّ ليُعلم ما يخفين من زينتهنَّ وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)[النور:31]. 

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: إن شر ما مُنيت به المرأة المسلمة في هذه العصور المتأخرة التقليد الأعمى، وإن كان على حساب الدين والشرف والفضيلة، وإلا فمن أين وفدت على المجتمعات الإسلامية هذه المفاسد والقبائح: سفور وتبرج، وانحلال من الحشمة والحياء، وكفر بنعم الله من الهداية والاستقامة إلى الزيغ والرجس والضلالة، وكم جنى التقليد الأعمى على الأغرار، فأوقعهم في الردى، وأوردهم المهالك، بل وكم جرَّ على أهل الإسلام من كبير الرزايا، وعظيم البلايا.

ألا فاتقوا الله عباد الله، وليتق اللهَ النساءُ المؤمنات، وليلتزمن أدب الدين، وما شُرع لهن من الحجاب والحشمة والحياء، فليس لمؤمن ولا مؤمنة بعد أن يقضي الله أمرًا، ويشرع تشريعاً أن يختار لنفسه طريقاً أو شرعاً غير شرع الله القويم: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللهُ ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرَةُ من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)[الأحزاب:36].

المرفقالحجم
ملف 38التبرج والسفور وخطره على الأمة.docx35.33 كيلوبايت
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، يهدي من يشاء بفضله إلى صراط مستقيم، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه ونعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومن سار على هديهم وسلك سبيلهم إلى يوم المعاد." data-share-imageurl="">