خطبة عيد الأضحى المبارك(عام 1421هـ ).

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنـزل الرحمات، أحمده سبحانه وأشكره، شرع لنا الأعياد، وأفاض علينا السرور، ونوَّر قلوب المؤمنين بنور التقوى والحبور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفور، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

الله أكبر عدد ما هلل مهلل وكبر، الله أكبر عدد ما حج حاج واعتمر، الله أكبر كلما يمموا عرفة ملبين، الله أكبر كلما وقفوا بالمشعر الحرام ذاكرين، الله أكبر كلما طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة خاشعين.الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكـبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واشكروه سبحانه على نعمه العظمى، وآلائه التي تترى، حيث هداكم للإيمان، وشرفكم بالإسلام، وجعلكم من خير أمة أخرجت للأنام، ومنَّ عليكم بهذا اليوم العظيم الذي شرفه على سائر الأيام، وجعله عيداً سعيداً لأهل الطاعة والإيمان، يفيض عليهم فيه سبحانه من واسع البر والعطاء، والجود والنعماء، إنه يوم الحج الأكبر، والعيد الأنور، فاشكروا المولى على نعمه عليكم أيها المؤمنون، واذكروه تعالى وكبروه، واعبدوه حق عبادته، فهو وحده المستحق أن يعبد، وأن يخلص له الدين، وأن يستعان به ويستغاث، وأن يلتجأ إليه في الشدة والرخاء، إذ هو مالك الملك، المتصرف في الخلق، وغيره لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

فالعبادة بجميع أنواعها حق خالص لله عز وجل، لا يجوز أن تصرف لأي مخلوق مهما عظمت منـزلته، أو سمت مكانته، فذلك مقتضى العبودية الحقة، والحنيفية الخالصة، فقد قال سبحانه: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قِيَماً ملةَ إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)[الأنعام:161-163].

فأخلصوا عباد الله إيمانكم بالله وحده، ولا تشركوا به شيئاً، وحققوا أركان الإسلام التي لا يتم إلا بها، فحافظوا على الصلاة، فإنها عماد الدين، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيع، وأدوا الزكاة المفروضة في أموالكم عن طيب نفس، دون منٍّ ولا أذى، وصوموا شهر رمضان، وحجوا البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا،ً وعليكم ببر الوالدين، فإن حقهما عند الله عظيم، وصِلوا الأقارب والأرحام، واعطفوا على الفقراء والمساكين والأيتام، وكفوا عما نهاكم الله عنه من كبائر الإثم والفواحش، والذنوب والمعاصي، فإنها شؤم وبلاء على العباد والبلاد، فإنه ما مُحقت البركات، وسحقت الخيرات، وحصل التلف والهلاك في الأنفس والزروع والثمرات، إلا بسبب الذنوب والمعاصي، كما قال سبحانه: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)[الروم:41].

عباد الله: اشكروا الله تعالى على نعمة الإسلام، فتلكم نعمة عظمى، ومنة من الله عليكم كبرى، فاستمسكوا بدينكم، وافرحوا بهدايتكم إليه (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)[يونس: 58].

إنه لا سعادة لأمة الإسلام، ولا عزَّ ولا تمكين لها في الأرض، إلا في ظل الإسلام، وتطبيق أحكامه، والعمل بتشريعاته، ولذا فحينما كان المسلمون متصفين به ظاهراً وباطناً، عملاً واعتقاداً، سادت دولةُ الإسلام العالمَ قروناً طويلة، وكانت ذات صولة لا تجارى، وهيبة لا تدانى، ولكن حينما ضعف تمسك المسلمين بالإسلام في أعقاب الزمن، وتنكَّر كثير من بني الإسلام لتعاليم الشرع المبين، حتى استبدلوا الدين الخالص لله جل وعلا بالبدع والمحدثات، وأهملوا كثيراً من واجبات الدين، وتقاطعوا وتدابروا، واختلفوا وتنازعوا، وخلف من بعدهم خَلْف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وفشت بينهم المنكرات، واستعاضوا عن الحكم بما أنزل الله تعالى في كثير من بلاد الإسلام بقوانين وضعية، وأنظمة بشرية، لا تحقق العدل والمساواة للإنسانية، فلما آل حال الأمة الإسلامية إلى هذا الوضع المؤلم، تسلط عليها الأعداء، وتكالبوا عليها من كل جانب، حتى فرَّقوها شيعاً وأحزاباً، وممالك ودويلات، وتحكَّموا في كثير من قضاياها السياسية والاقتصادية، ووجهوها نحو ما يخدم مصالحهم، ويحقق آمالهم، بل ولم يألُ الأعداء جهداً في إضعاف شأن المسلمين، حتى تمكنوا من الاستيلاء على كثير من ثرواتهم ومقدَّراتهم، والاحتلال لبعض بلادهم، وفي مقدمة ذلك الأرض المباركة أرض النبوات، وموطن الإسراء والمعراج، ومسجدها الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث المسجدين الشريفين، فهاهو يرزح تحت الاحتلال الغاشم، والعدوان الآثم، منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، من قبل شرذمة طاغية باغية، لا هَمَّ لها إلا السعي في الأرض فساداً، والله لا يحب المفسدين، ولا يزال إخواننا في تلك الأرض المباركة صابرين مناضلين، رغم الاعتداءات المتتالية، والمآسي المتكررة، والفظائع المؤلمة، التي تحل بهم بين الحين والآخر، على مرأى ومسمع من العالم، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وهو وحده المستعان على القوم الظالمين.

وما حال إخواننا في الشيشان وكشمير من أهل فلسطين ببعيد، فقد تسلط عليهم الأعداء، وأذاقوهم أصنافاً من العذاب، وألواناً من الاضطهاد  (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)[البروج: 8].

فهذه بعض ما تعانيه أمة الإسلام في بعض بلادها من أحوال مؤسفة، وأوضاع مؤلمة، مما يبعث الأسى في نفوس الغيورين على الإسلام وأهله.

وإنه لا نجاة لأمة الإسلام، ولا خلاص لها مما هي عليه من ضعف وهوان، وتفرق ونزاع، إلا بالعودة الصادقة إلى الإسلام، واستلهام مبادئه الحقة، وأصوله الصحيحة، وتطبيق شرع الله على عباد الله، والحكم بينهم بما أنزل الله، فإن الشعوب المسلمة لا ترضى بغير الإسلام ديناً، ولا بغير حكم الله بديلاً (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون )[المائدة:50].

إنَّ التمسك بالأصلين العظيمين، والوحيين المنـزلين، كتاب الله وسنة رسوله e، والعمل بهما حقاً وصدقاً على جميع المستويات، وفي جميع شؤون الحياة، هو العاصم للأمة من الضلال والضعف والهوان، وهو الكفيل باستعادة الأمة لأمجادها، وبلوغها أقصى الغايات المنشودة، والآمال المأمولة، واستعادة حقوقها المسلوبة، حتى تكون لها العزة والغلبة (ولَيَنْصُرَنَّ اللهُ من ينصرُه إنَّ الله لقويٌ عزيز، الذين إن مكَّنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )[الحج:40-41].

أيها المسلمون: إن الدعوة إلى الله تعالى من آكد الواجبات على أمة الإسلام، ومن أفضل الأعمال وأجل الطاعات، وهي سبيل المرسلين، ونهج الصالحين، يقول عز وجل: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)[فصلت:33] فعلى علماء الإسلام البصيرين، ودعاته المخلصين أن يقوموا بالدعوة إلى الله تعالى حق القيام، بالحكمة والموعظة الحسنة، وترغيب الناس في دين الله، وبيان محاسنه ومزاياه، بكل صدق وإخلاص، وتجرد عن كل غرض دنيوى، أو حظٍ نفسي، لا يحملهم على القيام بها سوى الرغبة في هداية الخلق إلى هذا الدين الحق، الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، كما قال عز وجل: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
[آل عمران:85]، وفي الحديث عند أحمد وغيره أن رسول الله e قال: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)، فدين الإسلام هو الدين الحق، وما سواه من الأديان فباطل وضلال. والولاء والبراء أصل من أصول الإيمان، وواجبٌ من واجبات الاعتقاد، فقد قال الله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعونومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)[المائدة:55-56] فالواجب على المسلم أن يوالي في الله، ويعادي في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، ولن يجد العبد طعم الإيمان وحلاوتَه، إلا إذا أخلص في ذلك، وتجرد عن الأغراض والأهواء في موالاته ومعاداته، فأحب ما أحب الله ورسوله، وأبغض ما أبغض الله ورسوله، ولم يقدم قول أحد كائناً من كان على قول الله وقول رسوله e.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحب الله ورسوله، وأن يبغض ما أبغض الله ورسوله، مما دلَّ عليه في كتابه، فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول اللهe ، ولا لقول إلا لكتاب الله عز وجل، ومن نصب شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل، فهو من الذين فرقوا دينهم شيعاً، فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم المعيار، فيوالي من وافقهم، ويعادى من خالفهم، وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول أصحابه، بل لأجل أنها مما أمر الله به ورسوله، أو أخبر الله به ورسوله، لكون ذلك طاعة لله ورسوله".

عباد الله:  إن مما يثلج صدور أهل الإيمان ما يُرى من صحوة إسلامية شاملة، لا سيما في صفوف الشباب، مما يبشر بمستقبل زاهر لهذا الدين القويم، غير أن هذه الصحوة أحوج ما تكون إلى أن تُضبط بضوابط الشرع المبين، المحققة للمصالح، والدارئة للمفاسد، وذلك لن يتحقق إلا في ظل موجهين مخلصين، من علماء ربانيين، ودعاة ناصحين، ممن عرفوا بالعلم الراسخ، والفقه الواسع، والبصيرة النافذة، ووُفِّقوا لصحة المعتقد وسلامة المنهج.

أما حين يتولى توجيه هذه الناشئة بعض من غلبت عليهم العاطفة الدينية، مع قصور في العلم الديني، والفقه الشرعي، فإنه يخشى على هذه الصحوة من أمور قد لا تحمد عقباها.

فاتقوا الله أيها العلماء والدعاة بالأخذ بيد الناشئة إلى طريق الحق، ونهج الهدى، والسير على ما كان عليه سلف هذه الأمة في قرونها المفضلة في الاعتقاد والعمل.

ولتتقوا الله يا شباب الإسلام بأخذ العلم الشرعي، والتوجيه الإسلامي، من منابعه الصافية، ومصادره المعتمدة لأئمة الإسلام المعتبرين، والالتفاف حول علمائكم البصيرين، والتلقي عن الفقهاء الراسخين الذين عرفوا بالعلم النافع، والعمل الصالح، والاعتقاد السليم، والمنهج السديد، ولتحذروا الأفكار المنحرفة، والاتجاهات المشبوهة، وإن تظاهر أصحابها بمظهر النصح وإرادة الخير، فالخير كله في اتباع منهج السلف الصالح، والرعيل الأول من الصحابة والتابعين ومن سار على هديهم من أئمة الهدى والدين.

عباد الله: إن ثقافة الأمم تعتمد في غالب أحوالها على مناهج التربية والتعليم، ووسائل الإعلام، مما يفرض على المسؤولين عن هذه الأجهزة في بلاد الإسلام أن يعنوا بتأسيس مناهج التربية والتعليم، وتوجيه وسائل الإعلام المختلفة على أسس سليمة، وأهداف تربوية صحيحة، تُستقى من هدي الإسلام وتعاليمه.

وإن مما يؤسى له عظيم الأسى، أن العالم الإسلامي قد ابتلي في كثير من بلاده بمناهج تعليمية وتربوية، ووسائل إعلام، وقنوات اتصال مختلفة، لا تتفق وتعاليم الإسلام في كثير من موادها وبرامجها، بل وتتنافى معه في غالب أحوالها، مما ينذر بخطر عظيم على الدين والقيم والفضيلة.

ألا فلتتقوا الله يا أرباب الفكر وحملة الأقلام، ويا رجال التربية والإعلام، في فلذات الأكباد، وناشئة المسلمين، ولتعملوا على تحصينهم بالإيمان، وتربيتهم على أخلاق أهل الإسلام، فتلكم مسؤولية عظمى وأمانة كبرى قد استرعاكم الله تعالى عليها، واستأمنكم عليها، فلتؤدوا الأمانة حق الأداء، ولترعوها حق الرعاية، ولتتذكروا قول الحق:(وقِفُوهم إنهم مسؤولون، ما لكم لا تناصرون، بل هم اليوم مستسلمون)[الصافات:24-26].

أيتها الأخوات المسلمات: اتقين الله تعالى في أنفسكن، وفيما استرعاكن الله تعالى عليه من واجبات الدين، ورعاية حقوق الزوج، والعناية بتربية الأولاد على تعاليم الشرع وأخلاق الإسلام، وغرس ذلك في نفوسهم منذ الصغر، ولتتصفن بما افترض الله عليكن من الحشمة والحياء، والصيانة والعفاف، ولتحذرن مخالفة ذلك بالتبرج والسفور، والاختلاط بالرجال الأجانب، والتقليد لأعداء الإسلام، أو التأثر بأهل الأهواء، ودعاة الباطل الذين أشربوا حُبَّ الفتنة، وامتلأت قلوبهم بأمراض الشبهات والشهوات، فأخذوا يدعون إلى تبرج النساء وسفورهن، وتحسين ذلك وتزيينه تحت مظلات مختلفة، وعبر وسائل متنوعة، بأساليب ماكرة، ودعاوى باطلة، فلتحذرن من أولئك، ولتقتدين بأمهات المؤمنين، والصالحات من المؤمنات، ولتَسِرن على هدي القرآن الكريم، الذي وَجَّه إليه زوجاتِ سيد المرسلين، وهو توجيه لنساء الأمة في كل وقت وحين، فقد قال عز وجل: وقَرْنَ في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)[الأحزاب:33].

أيها المسلمون: تذكروا باجتماعكم في هذا اليوم العظيم، يوم يجمع الله تعالى عباده الأولين والآخرين للجزاء والحساب يوم الدين، (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)[الشعراء: 88-89]، فاستعدوا لذلك اليوم العظيم الذي تشيب لهوله الولدان، وتذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فلا تلهينكم الحياة الدنيا ومُتَعُها الزائفة، وحظوظُها الفانية، عن العمل للحياة الباقية، والاستعداد للدار الآخرة، فلقد حذر الله عز وجل عباده عن التمادي في الغفلة والطغيان، وإيثار الحياة الدنيا، وندد سبحانه بالغافلين، وأشاد بالمتقين الذين استجابوا للحق، وجانبوا هوى النفس، وعملوا للدار الآخرة، مبيناً جل شأنه مآل كل فريق وجزاءه يوم الدين، فقال عز شأنه:  فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى ، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى)[النازعات:37-41].

فاتقوا الله عباد الله، ولا تخدعنكم النفوس بالأماني والآمال، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)[فاطر:5-6].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

أول الخطبة الثانية

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، نبيه المصطفى، وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأتقياء، والسادة الحنفاء، ومن سار على هديهم واقتفى، وسلَّم تسليماً كثيراً.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، والتزموا شرعه المبين، وصراطه المستقيم، وتحلوا بآداب الدين، وتخلقوا بأخلاقه، فلقد هدى الإسلام إلى أرقى الآداب، وأسمى الأخلاق، فدين الإسلام ليس بدين عبادة بين العبد وربه فحسب، بل هو إلى جانب ذلك دين خلق كريم، وأدب رفيع، ومعاملة حسنة مع الناس كافة، فاتصفوا عباد الله بذلك، ولا سيما في مثل هذه الأيام المباركة، فإنها أيام فرح وسرور، وغبطة وحبور، وإن للأهل والأقربين والجيران حقاً في مزيد العناية والرعاية، بالتودد والتبجيل، والإكرام والتقدير، لما لذلك من أثر عظيم في إضفاء المودة، وإشاعة المحبة بين الناس، فقد قال عليه الصلاة والسلام في معرض حثِّ الأمة على التحلي بحسن الخلق: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق). رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. وروى أبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله e يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم).

عباد الله: إن من أفضل الأعمال، وأجل الطاعات في هذه الأيام: التقربَ إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، فإنها سنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهدي نبيكم محمد e، فقد رغبكم فيها بفعله، وندبكم إليها بقوله: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً). رواه الترمذي وابن ماجه.

فيسن لمن أراد أن يضحي أن يختار من الإبل أو البقر أو الغنم أسمنها وأطيبها، وليجتنب ما كان فيه عيب منها، فإنه لا يجزئ أن يضحى بالعوراء، ولا العرجاء، ولا الهزيلة، ولا المريضة، ولا الهتماء التي سقطت ثناياها، ولا يجزئ أن يضحى إلا بما تم له خمس سنين من الإبل، وسنتان من البقر، وسنة من المعز، ونصف السنة من الضأن، وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة والبقرة عن سبعة، ويسن أن تقسم الأضحية أثلاثاً، فيهدى ثلثها، ويتصدق بثلثها، ويؤكل ثلثها، ووقت الذبح من بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق، يقول عز وجل: والبُدْنَ جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوافَّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعْتَرَّ كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون، لن ينالَ الله لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين [الحج:36-37].

حجاجَ بيت الله الحرام: اشكروا الله عز وجل على ما هيأ لكم ويسر من أداء أعظم مناسككم، بالوقوف بعرفة والمشعر الحرام، بهدوء وطمأنينة وسلام، فاشكروا المولى على مزيد الفضل والإنعام، ولتحرصوا على إكمال ما بقي من مناسككم على هدي نبيكم e، ومما بقي عليكم من ذلك: رمي جمرة العقبة في هذا اليوم، ثم نحر الهدي لمن كان عليه هدي، ثم الحلق أو التقصير، والحلق أفضل، ثم التوجه إلى هذا البيت العتيق في هذا اليوم إن تيسر وإلا بعده، ويطوف الحاج عندئذ طواف الإفاضة، ثم يسعى بين الصفا والمروة، إلا أن يكون قارناً أو مفرداً، وقد سعى قبل الحج بعد طواف القدوم، فيكفيه سعيه ذلك.

ولا حرج يا عباد الله على من قدَّم أو أخَّر شيئاً من أعمال يوم النحر، فإنه ما سئل e يوم النحر عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: (افعل ولا حرج)، ثم يعود الحاج بعد ذلك إلى منى، ويبيتُ بها ليالي أيام التشريق، ويرمي الجمار الثلاث في كل يوم بعد الزوال، ثم إن شاء أن يتعجل في يومين فله ذلك، وإن تأخر فهو أفضل لفعله e، ثم لا يبقى على الحاج بعد ذلك إلا طواف الوداع، وهو آخر شيء يفعله الحاج قبل سفره من مكة.

فاتقوا الله عباد الله، وأخلصوا لله تعالى حجكم وسائر عباداتكم، ولتكن على هدي نبيكم e، يكتب لكم القبول، وغفران الذنوب.

المرفقالحجم
ملف 55خطبة عيد الأضحى المبارك.docx43.06 كيلوبايت
 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنـزل الرحمات، أحمده سبحانه وأشكره، شرع لنا الأعياد، وأفاض علينا السرور، ونوَّر قلوب المؤمنين بنور التقوى والحبور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفور، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين." data-share-imageurl="">